أحمد الجارالله

هذا ما كنا نحذر منه بشفافية جارحة أحيانا, وصادمة احيانا أخرى, من دون قصد أن نحرج أحداً, وإن كانت الصدمة أحيانا مطلوبة, لكي يفيق من في آذانهم وَقْرٌ وعلى أبصارهم غشاوة... هذا ما كنا نقوله لـ quot;أشاوسquot; حماس, الذين ظنوا أن إدارة المعارك على الورق, وبالعواطف, هي الإدارة الحكيمة. لقد أوردوا شعب فلسطين موارد التهلكة, ووضعوه وجها لوجه أمام ماكينة الحرب الإسرائيلية التي قلنا - ومازلنا نقول - إنها مدعومة من أميركا ومن الاتحاد الأوروبي, ومن دول أخرى كثيرة استطاعت إسرائيل أن تقنعها بوجهة نظرها أمام شتاتنا العربي.
في لقاء وزراء الخارجية العرب شاهدنا انقساما لا حدود له, انقساما يعبر عن الواقع الحقيقي والمرير لهذه الأمة العاجزة عن مداراة تشرذمها حتى في أحرج لحظاتها, وراح كل طرف يلمز الآخر ويطعن في موقفه, مع أنه يفترض أن تكون القضية الفلسطينية هي الجامع المشترك الذي يجمعهم ولا يفرقهم... حرب فيتنام التي هزمت أميركا فيها كانت لها جبهة واحدة, وليس ألف جبهة, كانت لها أيديولوجية واحدة وليس ستون ألف أيديولوجية, ولها زعيم واحد وليس ألف زعيم. فيتنام هزمت أميركا لأن ثوارها لم يكونوا ملكا لأجندة معينة تلعب بهم وتستخدمهم أداة لنفوذ تريده. بمعنى آخر فيتنام لم تكن أيديولوجيتها أو أجندتها لمن يهز ذيله في إيران, وينبح في quot;سايغونquot;.. الجزائر كانت لها جبهة واحدة هزمت من خلالها الوجود الفرنسي الذي كان يظن ان اقامته دائمة في ارض الجزائر الحرة, لم يكن يريد ان يكتفي بمئة وثلاثين سنة استعمارا... حركات التحرر في بلدان أخرى - وإن اختلفت الظروف - كانت لها دائما أجندة واحدة وأيديولوجية واحدة وقيادة واحدة... في فلسطين - بكل أسف - عشرات الجبهات, وكل جبهة منبطحة لنظام عربي أو اقليمي هنا وهناك, أولتوجه دولي ما. حماس لا يخفى على أحد تورطها مع النظام الإيراني, وكل يوم عبر أجندتها المسبقة تلعن أختها في رام الله, بل وتطري نظاما عربيا وتسب آخر, في وقت كان عليها أن تكون فيه مع الجميع, وان يكون هدفها تحرير فلسطين مع التعامل مع المقررات الدولية, ليخرج خصمها الذي استطاع أن يفلت من تلك المقررات بالقشة التي تقصم دائما ظهر البعير الفلسطيني, وهي قشة تهيئها له حماس عن ادراك أو عن سوء تقدير, ترسل quot;ماسورة محشوة بقليل من البارودquot;, وترد اسرائيل بقنبلة تحملها طائرة الـquot;اف 16quot;. لقد اوردت حماس شعب فلسطين موارد التهلكة, وهذا ما كنا نحذر منه, ليس لاننا نكره المقاومة, أو ننكر على الشعب الفلسطيني حقه المشروع في النضال, ولكن لأننا ندرك مدى اختلال موازين القوى, ونعرف - وهم أيضا يعرفون - امكانات وقدرات القوة الغاشمة الاسرائيلية.
ماذا نسمع الآن من حماس? مجرد أراجيف يطلقها الدكتور محمد نزال, والذي يذكرني كلما استمعت اليه بوزير اعلام صدام حسين, محمد سعيد الصحاف والذي كان يعلن في مؤتمراته الصحافية عن quot;سحق جيوش قوات التحالفquot;, وعندما كان يقال له ان هذه الجيوش باتت أمام مبنى وزارتك الآن, فإنه كان يرد ان quot;هؤلاء ليسوا جيوش التحالف, وانما هم جيش صدام العظيم, ألبسناهم لباس الأميركان حتى نغرر بأعدائنا... انهم كمين وليسوا جيوش أميركا وحلفائهاquot;! الدكتور محمد نزال منذ اسبوعين وعدنا ان ما ستفعله حماس سيزلزل الأرض, وان قوات اسرائيل لن تقدر على العبور... خالد مشعل quot;أراحناquot; وبعث فينا التفاؤل وهو يقول: أبشروا فالبنية التحتية لحماس بخير, لكنه نسي أن يقول لنا ما هي حال البنية التحتية لشعب فلسطين وقطاع غزة بالذات؟
لكن يبدو أنه مشغول عن الرد على هذا السؤال بسماع القدود الحلبية لصباح فخري.
بعد كل ما حدث, ومن اجل انقاذ ما يمكن انقاذه, والتخفيف من حجم الكارثة حاضرا ومستقبلا, ما هو المطلوب الآن؟
المطلوب وبسرعة ان ترحل حماس, وان تعيد قطاع غزة الى الحكومة الشرعية, والتي تحظى باعتراف العالم كله, قبل ان يطالب الناس بمحاكمة من سبب لهم هذه الكارثة الانسانية التي ظن quot;أشاوسquot; حماس ان الرقص على ايقاع المظاهرات الحماسية هو الذي سيهزم اسرائيل وينهي عدوانها. لقد تظاهرنا ولعنّا اسرائيل وأسلاف أميركا وحلفائها, ولكن ماذا بعد?هل قدمت حماس لشعبها المنّ والسلوى, أم أنها أمعنت في الخطيئة, تحت إغراء حلاوة كرسي الحكم, ووعود الذين ظنوا أن ظروف الزمان والمكان هي نفسها في كل زمان ومكان؟!