سمر المقرن

تشبه موجة مشايخ الفضائيات والفتاوى المتناثرة هنا وهناك laquo;الصاعقة الكهربائيةraquo;، فوسائل الاتصال الحديثة بكل ما فيها من إيجابيات، لا تستطيع التحكم في فلترة ما يخرج إلينا من أفكار واتجاهات عكس التيار الإصلاحي، وعكس الدين الإسلامي نفسه. هذه الوسائل ساهمت بشكل مباشر في الترويج لمن يطلق عليهم laquo;المشايخ الجددraquo;. هؤلاء المشايخ يجنحون غالبا إلى الفتاوى اللافتة حتى لو كانت تُحدث زعزعة في العقلية الإسلامية، بل هم يبحثون عن دور عبر هذا الفضاء المفتوح على مصراعيه، إنه قدر التطور والتقدم الحضاري أن نجد فتاوى من نوعية: (إرضاع الكبير، والاستشفاء ببول الإبل، ونقاب العين الواحدة.)

هذا الزخم الإعلامي والتأثير في البسطاء عملا بمبدأ أن قواعد الدين غير قابلة للنقاش أخذاً وعطاءً ونفياً وإثباتاً، ما يؤدي إلى نتائج كارثية لا علاقة لها بأي قيم.

عند البحث أو التفكير في هذا الموضوع فإنه لابد أن تكون هناك العديد من الإشكاليات التي تعترض الطريق، نظرا إلى ارتباط هذه السلطة بالدين، وهو ما يمنحها هالة من القدسية الخاصة التي تبرر وجودها وسطوتها، على اعتبار أن القائمين عليها يمثلون الدين، أي ينفّذون النص القرآني، وهو ما يمنح هؤلاء المتحدثين أو المنفذين للسلطة الدينية غطاءً خاصا، يمارسون من خلاله كل أشكال الهيمنة، فيقومون بفرض سطوتهم، ويمارسون كل أشكال القهر والتسلط والقمع، من: مصادرة للحريات، والتحقيق والتشهير، إلى التربص والمطاردة، والبطش وحتى السجن والاعتقال. كل هذا دون أن يتعرض هؤلاء الأدعياء الذين يقومون بالوصاية على المجتمع للتحقيق أو المحاكمة، فهم يفعلون كل ذلك باسم الدين، ولا يُسألون، لأن سلطتهم مغلّفة بالطابع الديني.

كل ما ذكرته أعلاه قابل لـ laquo;الأخذ و الردraquo;، أما أن يصل هؤلاء إلى التدخل المباشر في إرثنا التاريخي بفرض السيطرة عليه، والتحكم في تاريخ إسلامي تجاوز عمره ألفاً وأربعمئة عام فهذه تصرفات لا تقبل لا الأخذ ولا الرد! فكيف لنا أن نتصور أن يصل تدخل هؤلاء إلى مواقع رسولنا الكريم في مكة المكرمة؟ بل وتصل laquo;البجاحةraquo; إلى المطالبة بتغيير اسم مقبرة أمنا حواء في جدة، دون مبرر واضح. أظن ndash;وهذا اجتهادي الشخصي- أن مشكلتهم تكمن في أن الاسم نسائي، وهذا ما يثير حساسية هذه الفئة التي لا تطيق وجود laquo;المرأةraquo; على هذا الكوكب.

إن حجة هؤلاء في مطالباتهم ورغبتهم في وضع سياج شائك حول الجبال والمواقع التاريخية في مكة، أن هناك أعمالا شركية ndash;بحد زعمهم- تحدث في هذه المواقع، وأنا أتصور أن الأعمال الشركية التي يراها هؤلاء قد لا تكون شركية عند مذاهب إسلامية أخرى.

إن المواقع التاريخية الإسلامية، هي laquo;أمانةraquo;، لا يمكن أن تُترك لوجهات نظر شخصية، أو تصرفات هوجاء. فكيف لمثل هؤلاء المطالبة بإزالة بيت من بيوت الله، ألا وهو laquo;مسجد الجعرانةraquo;، بحجة أن هناك من يعتقد أن فيه ماءً مباركا، واحتج على هذا رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة بأنه رأى الناس يغتسلون منه.

ولم يكتفِ بذلك، بل طالب بإغلاق مسجد البيعة في منى، ومسجد الرحمة في جدة. في الحقيقة قرأت هذا في تقرير صحافي وأنا لست مصدقة، ومازلت على أمل أن يكون هذا التقرير مزيفا ومفبركا.