سعد محيو

ثمة خطآن فادحان ترتكبهما ldquo;إسرائيلrdquo; هذه الأيام، على الرغم من أنها قد لا تدرك ذلك إلا متأخرة: محاولة استعادة هيبة الردع عبر الحروب الخاطفة على غرار حرب ،1967 وممارسة استراتيجية ldquo;الصدمة والرعبrdquo; ضد المدنيين الفلسطينيين كوسيلة أخرى لاستعادة الهيبة.

لماذا هما خطآن؟

لأن الحروب على نمط 1967 انقضى أجلها. فلا أنظمة عربية (عدا سوريا) توجد لديها الجيوش التي يمكن بهزيمتها إنهاء الحرب وإعلان النصر، بل منظمات شعبية عسكرية لن ينطبق عليها توصيف الهزيمة طالما أنها قادرة، بعد أن تضع الحرب أوزارها، على إطلاق ليس صاروخاً واحداً بل عشرات الصواريخ ضد الدولة العبرية. لكن يبدو ان القيادة العسكرية، كما المدنية، ldquo;الإسرائيليةrdquo;، لاتزال تعيش في الماضي وهي تخطط للمستقبل.

صحيح أن حركة حماس حوّلت نفسها من منظمة مقاومة سرية إلى نظام علني حين قررت خوض الانتخابات العامة في إطار نظام أوسلو، إلا أن فقدانها المحتمل للسيطرة الأمنية- السياسية على قطاع غزة لن يفعل شيئاً سوى تحريرها من قيود السلطة الرسمية وإطلاق يدها في حروب الغوار الشعبية.

بكلمات أوضح: حماس ستنتصر سياسياً حتى ولو انهزمت أو تضعضعت عسكرياً. فهي ستخرج من المعمعة الدموية الراهنة بصفتها القوة الوطنية الوحيدة التي قارعت المحتل وكانت صنواً له. وهي ستنمو تنظيمياً بأسرع مما حدث لها بعد نصرها الانتخابي العام ،2006 خاصة إذا ما أثبتت في مقبل الأيام قدرتها عل تدفيع ldquo;إسرائيلrdquo; أثماناً بشرية كبيرة، وفق مقاييس هذه الأخيرة، لغزوها البري.

أما على صعيد الردع عبر قتل المدنيين أو تشريدهم، فهي أيضاً كانت سياسة ldquo;إسرائيليةrdquo; ناجعة في الماضي (دير ياسين ،1948 صبرا وشاتيلا 1982 الخ)، لكنها باتت عقيمة بعد حرب لبنان 2006.

بالطبع، الوضع الإنساني مرعب في غزة بما فيه الكفاية: أكثر من 3000 شهيد وجريح، أكثر من ثلثهم من الأطفال والنساء، ونقص فادح في الغذاء والماء والخدمات الطبية، ولامكان للجوء 1،5 مليون مدني إلى أي مكان آمن في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة (300 كيلومتر) المحاصرة ldquo;إسرائيلياًrdquo; من كل جانب. لكن الفلسطينيين لن يحمّلوا حماس مسؤولية هذه الكارثة الإنسانية، لأنهم يعتبرون ما قامت وتقوم به ليس أكثر من مقاومة للاحتلال. ولاحماس أيضاً ستحمّل نفسها هذه المسؤولية، طالما هي ترفع شعار الشهادة وتّعد عناصرها أنفسهم للتحوّل إلى صواريخ بشرية.

وهذا ما يجعل هدف الردع ldquo;الإسرائيليrdquo; عبر ldquo;الصدمة والرعبrdquo; ضد المدنيين الفسطينيين مجرد بناء على الرمال. لابل سيحدث العكس: مفهوم الردع سيتضعضع بقوة حتى لدى المدنيين العرب الذين قد يجدون في الموت كشهداء أفضل بما لايقاس من الحياة كأذلاء.

كل هذه المعطيات تصب في حصيلة واحدة: قواعد اللعبة تتغيّر بالفعل، وبسرعة أيضاً، في غزة وبقية أنحاء الشرق الاوسط. لكن ليس كما تشتهي السفن ldquo;الإسرائيليةrdquo;، بل كما ترغب رياح التاريخ الجديد الذي تعاد صياغته الآن في المنطقة.