وليد شقير

في كل مرة تقدم إسرائيل على عدوان يتحدث قادتها عن تغيير قواعد اللعبة وعن تغيير في خريطة المواجهة مع العرب والفلسطينيين واللبنانيين. وفي كل عدوان، سواء استهدف اللبنانيين أم الفلسطينيين، فإن الحديث عن المتغيرات قد يطول أو يقصر، وفقاً للظروف التي وقع خلالها العدوان وتبعاً لاستهدافات المرحلة التي حصل فيها العدوان. لكن العودة بالذاكرة الى كل حرب تخوضها إسرائيل تدلّ على ان لا متغيرات جوهرية بين عدوان وآخر وأن العناصر الأساسية لما يسميه قادتها laquo;اللعبةraquo; وlaquo;قواعدهاraquo; ما زالت هي هي: تتخذ إسرائيل قرارها بالحرب إما لانشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات أو بمرحلة انتقالية بعد الانتخابات، أو بالحملات الانتخابية. تستغل إسرائيل اشتداد الخلافات العربية التي تزيد من العجز العربي الأصلي، ومن غياب أي تفاهم عربي - عربي على مواجهتها، عسكرياً. بل هي تستفيد من تنافس بين بعض الدول العربية على صوغ علاقة معها، ولو تحت ظل شعارات طنانة ورنانة عن المواجهة معها وعن الصمود في وجهها.
وفي كل عدوان تصعّد إسرائيل دمويتها وهمجية قادتها العسكريين عن العدوان الذي سبق، بهدف إذلال المجتمعات العربية وإنهاك المدنيين ودفعهم الى اليأس من قضيتهم لكثرة الدماء التي تسيل منهم والمآسي التي يتعرضون لها، وحتى عندما تتعثر إسرائيل وتفشل في بعض خططها العسكرية، فإنها تعتمد على الانقسامات في صفوف القوى التي تواجهها، وهي انقسامات تزداد عنفاً، وربما كان تصاعد هذه الانقسامات هو العنصر الجديد الذي غيّر في قواعد اللعبة، لكنه جاء من جانب العرب وليس نتيجة أفعال إسرائيل، فتغطي هذه الانقسامات على فشلها كما حصل في لبنان نتيجة الصراع الحاد بين الأكثرية والمعارضة بعد حرب تموز (يوليو) 2006، أو تكون (هذه الانقسامات) حجة للالتهاء بها عن دموية آلتها العسكرية. إنها اللعبة ذاتها التي تستفيد منها اسرائيل. وفي حال الحرب الهمجية على غزة الدائرة الآن، فإن قرار الحرب ضد القطاع الذي بدأ في الحصار، اتخذ في ظل اطمئنان إسرائيلي الى ان الانقسام بين حركة laquo;حماسraquo; وحركة laquo;فتحraquo; سيستمر بعد إنهاء هذه الحرب مهما كانت صيغة إنهائها. فبدءاً من اليوم، تاريخ نهاية ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في استطاعة حركة laquo;حماسraquo; أن تواصل المواجهة السياسية مع السلطة الفلسطينية في رام الله... وفي إمكان إسرائيل ان تتفرج على قيام منطقتي نفوذ فلسطينيتين تكرسان الانقسام وتوفران عليها التفاوض على الوضع النهائي وعلى قيام دولة فلسطينية وعلى إزالة المستوطنات... الخ.
كيف يمكن الحديث عن تغيير قواعد اللعبة، طالما ان إسرائيل تحقق من حربها على غزة ما ترمي إليه لجهة ابتعاد السلام بينها وبين الفلسطينيين، حتى بعد ان تنتهي عملياتها العسكرية التي ستكون نتيجتها الفشل في القضاء على laquo;حماسraquo;، مع علمها المسبق باستحالة ذلك، بعد اختبارها الأمر مع laquo;حزب اللهraquo; في لبنان؟ فالقاعدة الذهبية بالنسبة إليها هي رفض وجود أي شريك في السلام كائناً من كان...
مع ثبات إسرائيل على قواعد اللعبة نفسها التي تعتمدها منذ تأسيسها، في مواجهة العرب وقادتهم والفلسطينيين... فإن القيادة الإسرائيلية تخوض حرباً الجديد فيها هذه المرة ان من بين اهدافها جس النبض حول صيغ التفاوض المقبلة حول الوضع الإقليمي، بين الإدارة الأميركية الجديدة لباراك أوباما وبين إيران... والفلسطينيون وقود الحرب التمهيدية بأجسادهم، والعرب ضحيتها بفقدان وحدتهم السياسية وصدقيتهم الدولية.