حملة هجومية شاملة ذات أهداف محددة لن ترضى إسرائيل بأقل منها
قاسم محمد جعفر
لم تكن اسرائيل في حاجة الى ذريعة سياسية أو أمنية لتنفيذ عمليتها العسكرية الهجومية ضد غزة لكن تلك الذريعة، وتوقيتها، والعوامل الاستراتيجية المساعدة على ترجمتها ميدانيا، توافرت للقيادة الاسرائيلية، فور انتهاء ما كانت تسمى فترة laquo;التهدئةraquo; التي دامت 6 اشهر مع حركة laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية الأخرى العاملة في قطاع غزة، فانتهاء تلك التهدئة، وظهور الجانب الفلسطيني بمظهر الطرف الرافض لتمديد العمل بالتهدئة، وبالتالي المعارض لمبدأ الاستمرار بالالتزام بوقف اطلاق النار مع اسرائيل، كان كفيلا بتوفير الارضية التي كانت هذه الاخيرة تحتاجها، بل وتنتظرها، لشن هجماتها الضارية والشاملة على غزة وعلى سكانها من المواطنين الفلسطينيين، ومن دون كثير من التمييز بين ما يمكن ان يوصف بأهداف عسكرية، او شبه عسكرية، واهداف مدنية صرفة لا علاقة لها، ولاتأثير لانشطتها، على الاغراض العسكرية والقتالية التي يدعي الاسرائيليون ان هجماتهم تتركز عليها.
والواضح، حتى الان على الاقل، ان العملية العسكرية الاسرائيلية ضد غزة، وعلى خلاف ما كان الوضع عليه ابان حرب صيف عام 2006 ضد laquo;حزب اللهraquo; في لبنان، كانت مخططة ومعدة جيدا، وان القيادة العسكرية الاسرائيلية حرصت، قبلها وخلالها على تحديد مراحلها واساليبها، واهدافها بدقة، في محاولة لتجنب الاخطاء ونواحي التقصير الاساسية التي برهن عنها اداء قواتها في جنوب لبنان.
كما كان من الواضح ان القيادة السياسية الاسرائيلية كانت بدورها واعية هذه المرة للمخاطر التي ينطوي عليها الدخول في حرب كهذه من دون التمسك بمجموعة من الاهداف المعلنة، وبشكل يجعل من الصعب في مرحلة لاحقة توجيه الانتقادات، او الشكوك والتساؤلات، حول ما تم تحقيقه في العمليات العسكرية، او ما عجز الجيش الاسرائيلي عن تحقيقه فيها، نتيجة للغموض في تحديد اهداف الحرب ونتائجها.
الأهداف الاسرائيلية
ومن هذا المنطلق، شنت اسرائيل حملتها على قطاع غزة رافعة شعار تخفيف الاهداف العسكرية التالية:
1 - وقف الهجمات الصاروخية والمدفعية التي يشنها الفلسطينيون من مواقعهم في غزة ضد المناطق الاسرائيلية المجاورة.
2 - وضع حد لقدرة حركة laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية الاخرى في غزة على تهريب الاسلحة والذخائر إلى داخل القطاع، بهدف اعادة امداد وتزويد وحداتهم المقاتلة، ولاسميا عبر الانفاق التي كان الفلسطينيون نجحوا خلال السنوات الماضية بحفرها وتحويلها إلى مسالك نقل ومواصلات حيوية بين الاراضي الفلسطينية المحاصرة والعالم الخارجي على امتداد الحدود الجنوبية مع مصر، ليس للاغراض العسكرية والتسليحية فحسب، بل ولاغراض اقتصادية ومعيشية ملحة أيضا.
3 - تمكين اسرائيل من التوصل إلى صيغة دائمة، ومعترف بها اقليميا ودوليا للتحكم بالمعابر والممرات والبوابات التي تربط الاراضي الفلسطينية في قطاع غزة بالمناطق المجاورة والمحاذية لها، الامر الذي يعني بطبيعة الحال، الاتفاق بين الاطراف على مشاركة اقليمية ودولية، الى جانب عناصر المراقبة والتحكم الاسرائيلية، في السيطرة على حركة العبور من والى القطاع، والتحقق من عدم اشتمالها على ما يمكن ان تعتبره الدولة العبرية تهديدا لأمنها.
4 - اضعاف حركة laquo;حماسraquo; عسكريا وبالتالي سياسيا، والعمل على خلق امر واقع جديد تصبح فيه الحركة وغيرها من الفصائل الفلسطينية الموجودة في غزة، عاجزة عن الاستمرار في رفع شعارات الجهاد والكفاح المسلح، التي تميزها عن السلطة الفلسطينية، في الضفة الغربية، وهو ما يفترض أن يؤدي، حسب وجهة النظر الإسرائيلية، إلى انقاذ تلك الفصائل لصدقيتها أمام أنصارها، وفي أعين الفلسطينيين عموما، وخسارتها بالتالي لمصيرها الشعبي والجماهيري كحركات مقاومة مازالت تؤمن بالعمل المسلح ضد الاحتلال.
5 - استعادة صدقية laquo;الردع الاستراتيجيraquo;، التي طالما اعتمدت عليها، واستندت إلى عناصر استمرارها، العقيدة القتالية الاسرائيلية، والتي شكلت دائماً، ومازالت، الأساس السياسي والعسكري والأمني، الذي يبني عليه الإسرائيليون، في صورة تاريخية، ركائز بقاء الدولة العبرية وديمومتها، وبالطبع، فإن هذا الهدف أبعد مدى، وأوسع إطارا، وأكثر شمولية، من مجرد الهجوم على قطاع غزة، أو الاقتصار على اضعاف حركة laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية العاملة إلى جانبها، فهو يشكل، في الواقع هدفا عسكريا - استراتيجيا مركزيا بالنسبة إلى صنّاع القرار في إسرائيل، الذين شعروا، منذ حرب صيف عام 2006 في لبنان، ان صدقية الرادع الاستراتيجي الإسرائيلي تراجعت وتقلصت بفعل تلك الحرب، والنتائج laquo;غير الحاسمةraquo; التي نجمت ولذلك، شعرت دوائر القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية بضرورة العمل على استعادة ذلك الرادع الاستراتيجي، وتكررت صدقيته من جديد، كخطوة لا بد منها لتصحيح laquo;الخللraquo; الذي أصاب العقيدة القتالية الاسرائيلية في أعقاب عدم تمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة في الحرب ضد laquo;حزب اللهraquo;.
الذرائع والظروف
وعلى أساس هذه الأهداف التي تتراوح في طابعها بين الميداني المباشر، والعسكري العام، والاستراتيجي الكامل، اتخذ الاسرائيليون قرارهم بشن حملتهم الهجومية على غزة، وكانوا قادرين في ذلك على الاستفادة من مجموعة من العوامل المساعدة، من حيث الذريعة والتوقيت، وكان أهمها:
1 - تردد حركة laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية في الموافقة على تمديد العمل بوقف اطلاق النار بموجب تفاهم laquo;التهدئةraquo; الذي كان قائماً بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. وعلى رغم ان تلك laquo;التهدئةraquo; لم تكن كاملة في أي وقت من الأوقات، ولم يلتزم الجانب الاسرائيلي ببنودها خلال الفترة التي كانت محددة لها، فإن هذا الأخير نجح في تصوير الجانب الفلسطيني بأنه الرافض أساسا لاستمرارها ما ساعده إلى حد كبير في استخدامها كذريعة ديبلوماسية وإعلامية لتبرير حملته الهجومية.
2 - اقتراب موعد الانتخابات العامة التي تقرر اجراؤها في إسرائيل، وشعور الأحزاب المتنافسة على السلطة هناك بضرورة القيام بتحرك ما يمكن تجيير نتائجه، في ما بعد، للتأثير على نتائج تلك الانتخابات، خصوصا ان جميع استطلاعات الرأي كانت تشير إلى احتمال فوز تكتل laquo;ليكودraquo; اليميني وزعيمه بنيامين نتانياهو بها، في ضوء الشعارات المتطرفة التي رفعها على صعيد ما يعتزم القيام به، إذا ما تم انتخابه، حيال الوضع في غزة، وفي ما يتعلق بالتوجه الذي يعتزم اتباعه حيال حركة laquo;حماسraquo;، وlaquo;حزب اللهraquo; في لبنان، والتهديدات الأمنية والاستراتيجية التي يعتبر نتانياهو أن إسرائيل تواجهها في المنطقة عموما، ومن جانب سورية وإيران والقوى الحليفة لهما تحديدا.
3 - الرغبة في الاستفادة من الفرصة المتاحة حاليا، نتيجة للفترة الانتقالية التي تمر بها الولايات المتحدة، قبل انتهاء فترة إدارة الرئيس الحالي جورج بوش الابن، وفي انتظار تولي الرئيس الجديد باراك أوباما وإدارته المقبلة زمام المسؤولية في واشنطن، والاستفادة ايضا من انشغال الدول الأوروبية (والولايات المتحدة) والمجتمع الدولي عموما، بالأزمة المالية والاقتصادية ومضاعفاتها المستمرة، الأمر الذي دفع المؤسسة السياسية والعسكرية الاسرائيلية إلى التقرير بأن الوقت قد يكون ملائما على الأرجح لاستغلال هذه laquo;النافذة المتاحةraquo; واستخدامها لتحقيق ما أمكن من أهداف عسكرية واستراتيجية إسرائيلية في غزة، وعلى المستوى الاقليمي في صورة عامة.
مراحل الحملة الهجومية
وعلى هذا الأساس شن الاسرائيليون حملتهم الهجومية ضد الفلسطينيين في غزة، والتي اشتملت حتى الآن على مرحلتين رئيسيتين، وربما تطورت في ما بعد نحو مرحلة ثالثة، وقد تكون حاسمة، إذا ما فشلت المساعي الديبلوماسية الجارية عالميا، على مستوى المنطقة وفي أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في التوصل الى صيغة لوقف اطلاق النار تكون كفيلة بالفوز بموافقة جميع الأطراف.
وفي ما تركزت العمليات الاسرائيلية في المرحلة الأولى من المواجهة على الجانب التنفيذي، المتمثل في الغارات الجوية، وأعمال القصف المدفعي والبحري المساند، ضد ما ادعى الاسرائيليون انه laquo;جهد مركزraquo; يهدف الى قصف مواقع laquo;حماسraquo; ومقرات قيادتها، ومناطق اطلاق القذائف الصاروخية على الأهداف الاسرائيلية، اضافة الى المباني والمنشآت والمراكز ذات الأهمية السياسية والتنظيمية، فانه كان من الواضح، في المقابل، ان تلك العمليات الهجومية اتخذت شكل حملة قصف استراتيحية شاملة، استهدفت أيضا المجتمع الفلسطيني وجوانب حياته اليومية على اختلافها، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمساجد والمخازن والفنادق والجامعات ومرافق الطاقة الكهربائية والوقود والطاقة والمياه، ومكونات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، في محاولة واضحة لضرب معنويات الفلسطينيين والتأثير على ارادتهم، ودفعهم الى تحميل laquo;حماسraquo; والفصائل المقاومة مسؤولية ما يحدث لهم. وهذا على أي حال تكتيك معروف ومعتاد في العمليات العسكرية، التي تأخذ شكل حملات هجومية جوية استراتيجية، كما حدث مثلا ابان الحرب العالمية الثانية وما شهدته من عمليات قصف جوي ضد ألمانيا واليابان من جانب الحلفاء وضد بريطانيا من جانب ألمانيا النازية، أو مثلما حدث خلال الحرب الفيتنامية من جانب الولايات المتحدة، ومن جانب قوات التحالف العربي والدولي ضد العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991، وبعد ذلك في حرب اسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
أما المرحلة الثانية من الحملة الهجومية الاسرائيلية، والتي بدأت بعد حوالي أسبوع على بدء المواجهة، وهي مازالت مستمرة حتى الآن، فيمكن وصفها بمرحلة laquo;العمليات البرية المحدودةraquo;، اذ انها تتمثل في قيام وحدات مختارة من قوات النخبة الاسرائيلية، كألوية laquo;غولانيraquo; وlaquo;غافيتraquo; والمظليين والكوماندوس المحمول جوا وبحرا، والكوماندوس البري، بمحاولة اقتحام مناطق محددة، وذات حيوية خاصة، بنسبة الى الحسابات الميدانية الاسرائيلية، بهدف السيطرة عليها واخراج عناصر المقاومة الفلسطينية منها، ربما تحويلها في مرحلة لاحقة الى مناطق عازلة، لن يكون في مقدور الجانب الفلسطيني التموضع فيها مستقبلا، واستخدامها على سبيل المثال، لاطلاق القذائف الصاروخية منها نحو الاهداف الاسرائيلية، كما هي الحال بالنسبة الى المناطق الكائنة في شمال قطاع غزة، اضافة الى تلك المحاذية للحدود المصرية في الجنوب، والتي يهدف الاسرائيليون الى منع الفلسطينيين من الاستمرار في استخدام الأنفاق الموجودة فيها للحصول على الامدادات والتعزيزات بواسطتها من جهة الاراضي المصرية.
والملاحظ ان الاسرائيليين لم يستخدموا حتى الآن، أي laquo;مفاجآتraquo; جديدة أو غير متوقعة في عملياتهم العسكرية، بل انهم اقتصروا (حتى الآن على الأقل) على استخدام أسلحتهم وذخائرهم laquo;المعتادةraquo; في مثل هذه الظروف الميدانية، مثل مقاتلات laquo;اف - 16 فالكونraquo; وlaquo;اف - 15 إي سترايك ايفلraquo; الهجومية القاذفة، وطائرات الهيلكوبتر المسلحة من طرازي laquo;اباتشيraquo; وlaquo;كوبراraquo; وطائرات الرصد والاستطلاع وادارة العمليات الموجهة عن بعد من دون طيار، ومجموعة القذائف والذخائر الجوية التي يعتمدون عليها عادة، الصواريخ الموجهة جو-أرض، وصواريخ laquo;تاوraquo;.
laquo;وهيل فايرraquo; الموجهة التي تطلقها الطائرات المروحية، والقنابل الذكية الموجهة باشعة ليزر والذخائر العنقودية وذخائر التدمير laquo;الفراغيةraquo; المخصصة لضرب الابنية والمنشآت، وذخائر الاختراق الموجهة بدقة والمخصصة لتدمير الدشم والتحصينات والمواقع الموجودة تحت سطح الأرض.
كما استخدم الاسرائيليون على نطاق واسع الصواريخ والمدافع المنطلقة من السفن والزوارق، بينما تركزت المعدات البرية على دبابات laquo;ميركافاraquo; وعربات القتال المدرعة الثقيلة من طراز laquo;انسزاريتraquo; وlaquo;ناغما شونraquo; اضافة الى سائر أنواع المدفعية.
الرد الفلسطيني
أما على الجانب الفلسطيني، فإن الملاحظ ان قوات laquo;حماسraquo; وفصائل المقاومة الأخرى لم تستخدم حتى الآن، أو ربما لم تتمكن من استخدام، بعض أنواع الأسلحة والذخائر التي كان يفترض ان تكون موجودة في حوزتها، مثل أنواع القذائف الصاروخية الثقيلة والبعيدة المدى، التي شاعت تكهنات خلال الفترة الماضية بأن laquo;حماسraquo; ربما نجحت في الحصول عليها من ايران، بل اقتصرت المعدات التي ظهرت لديها على القذائف المعتادة من طراز laquo;القسامraquo; ويقدر مداها بنحو 10 - 12كلم، الى جانب مناسبات قليلة تم فيها اطلاق القذائف الصاروخية من طراز laquo;كاتيوشاraquo; وlaquo;غرادraquo; عيار 122ملم، ونموذج ايراني معدل من هذه الاخيرة يصل مداه الى نحو 40 كلم (يعتقد انها القذائف التي استخدمت في قصف بئر السبع وأسدود وعسقلان).
كما ظهر استخدام محدود لبعض الأسلحة المضادة للطائرات، بما في ذلك صواريخ أرض-جو تطلق من الكتف من طراز laquo;سام - 7raquo;، وقذائف صاروخية مضادة للدروع، كان بعضها من طراز laquo;ب - 29raquo; المتطور نسبيا (يعتقد ان قذيفة من هذا النوع نجحت في تدمير أو اعطاب دبابة اسرائيلية من طراز laquo;ميركافاraquo;).
وبينما يظل من الممكن ان تكون laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية اتخذت قرارا بالمحافظة على ما أمكن من ترسانتها القتالية، واخفائها في انتظار مراحل تالية من التصعيد القتالي المحتمل، ما قد ينطبق مثلا على طرازات أكثر تدميرا وأبعد مدى من القذائف الصاروخية، وأنواع أكثر تطورا وفاعلية من الصواريخ المضادة للدروع، والالغام المضادة للآليات والافراد، وغير ذلك من أسلحة قد يشكل البدء في استخدامها مفاجأة ميدانية للقوات الاسرائيلية، في حال تصاعد حدة المواجهة واتساع نطاقها، فإنه يظل من غير المستبعد أيضاً أن تكون مثل هذه الأسلحة غير متوافرة أصلاً أو أن المعلومات في شأن وجودها كانت من ضروب المبالغة الإعلامية، أو ان الجانب الاسرائيلي تمكن من مهاجمتها وتحييدها خلال المراحل الأولى من عملياته الهجومية، مثلما حدث خلال حرب صيف عام 2006 في لبنان، عندما ادلى الاسرائيليون آنذاك ان هجماتهم الجوية تمكنت خلال وقت مبكر من تحديد مواقع الصواريخ والقذائف الأبعد مدى، التي كانت في حوزة قوات laquo;حزب اللهraquo;، وعملت على مهاجمتها وتدميرها قبل دخولها في المواجهة.
مخاطر التصعيد
ويبدو أن الإسرائيليين قد قرروا الاكتفاء، حتى الآن، بالاستمرار في تنفيذ المرحلة الثانية من حملتهم الهجومية، في انتظار اتضاح نتائج المساعي الديبلوماسية الجارية حالياً للتوصل الى وقف لاطلاق النار.
فخسائرهم البشرية (المعترف بها) لاتزال محدودة نسبياً (نحو 7 قتلى وعشرات الجرحى)، وكذلك الأمر بالنسبة الى خسائرهم في المعدات (عدد قليل من الدبابات والآليات المدمرة أو المعطوبة)، كما أن الواضح ان القيادة العسكرية الاسرائيلية لا تريد الوقوع مرة أخرى في الأخطاء التي ارتكبت خلال الحرب الأخيرة مع laquo;حزب اللهraquo; في لبنان، حيث تكبدت قواتها خسائر لا يستهان بها، عندما حاولت القيام بعمليات اقتحام واحتلال برية غير مخططة، بل تم ارتجالها بسرعة، ومن دون ما يكفي من الرصد والاستطلاع بسرعة، ومن دون ما يكفي من الرصد والاستطلاع والتمهيد الميداني، تحت ضغط عامل الوقت والرغبة في تسجيل مكاسب سريعة لأهداف سياسية ودعائية بحتة.
ولهذا، لم تزج هذه القيادة، حتى هذه المرحلة، الا بقوات صغيرة ومحدودة نسبياً، ومن وحدات قتالية نخبوية معدة ومدربة جيداً، وذات خبرات ميدانية عالية حيث يقدر أن عدد هذه القوات لا يزيد في الوقت الحاضر على 10 آلاف جندي ونحو 100 دبابة، وعدد مماثل من العربات المدرعة، مع الوحدات الجوية التي تدعمها، والوحدات البحرية التي تعمل بالتنسيق معها.
وربما تغير هذا الوضع في صورة جذرية، اذا ما شعرت القيادة الاسرائيلية ان الأمور في الميدان لا تسير بالشكل الذي ترغب فيه، او اذا ما وصلت الى الاقتناع بأن المساعي الديبلوماسية لن تسفر عن اتفاق ينطوي على الترتيبات والضمانات العسكرية والأمنية التي تطمح اليها، والتي ستكون كفيلة بتحقيق الحد الادنى من أهدافها المعلنة، اي وقف اطلاق النار على أساس تجريد laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية من قدرتها على اطلاق القذائف الصاروخية، والسيطرة على المعابر الحدودية، ومنع المقاومة من اعادة تعزيز قواتها وأسلحتها، وازالة الخيار العسكري عملياً من يدها.
ومن الطبيعي أن يفضل الاسرائيليون تحقيق هذه الأهداف من خلال ما قاموا به حتى الآن ولحد ادنى من الخسائر اما في حال استحالة ذلك، فإن المرحلة الثالثة من الحملة الهجومية قد تصبح خياراً حتمياً، الأمر الذي سيعني تصعيد مستوى المواجهة واتخاذ اسرائيل للقرار المصيري القاضي بالدخول الى عمق قطاع غزة، والسيطرة على مناطق الكثافة السكانية فيها، والقتال في شوارعها وأحيائها، والسعي الى انزال الهزيمة العسكرية الشاملة بحركة laquo;حماسraquo; والفصائل الفلسطينية التي تقاتل الى جانبها.
وفي مثل هذه الحالة، فإنه سيتعين على القيادة الاسرائيلية المجازفة بالدخول في مواجهة شاملة وشاقة ومكلفة وطويلة الأمد، ربما احتاجت فيها الى الزج بعشرات الآلاف من الجنود ومئات الدبابات والمدرعات والطائرات، كما ان هذه المواجهة لن تكون مضمونة النتائج أو العواقب.
وبالاضافة الى ذلك، فإنها قد تكون مواجهة من شأنها أن تفتح الباب واسعاً أمام جميع الاحتمالات الأخرى التي يبدو أن اسرائيل وجميع الأطراف في المنطقة مازالت ترغب في تجنبها، بما في ذلك الدخول في حرب اقليمية شاملة لن يكون في مقدرة أحد التحكم بمسارها ونتائجها.














التعليقات