الياس حرفوش

هناك سباق يجري بين الجهود الديبلوماسية للتوصل الى وقف لإطلاق النار يوقف آلة القتل الاسرائيلية ويضع حداً بالتالي لتساقط ضحاياها بين الفلسطينيين، وبين المحاولات المستمرة لاستثمار هذا الوضع المأسوي وتوظيفه بما يخدم المصالح السياسية للأطراف المنتفعة منه.
قرار وقف النار الذي اتخذه مجلس الامن نتيجة ضغوط حثيثة من الوفد الوزاري العربي الذي تابع المفاوضات في نيويورك كان يمكن ان يشكل مقدمة صالحة لإنهاء هذه الحلقة المؤلمة من عدم التكافؤ في اعداد القتلى بين الفلسطينيين والاسرائيليين (770 فلسطينياً على الاقل أكثر من نصفهم نساء واطفال مقابل 13 اسرائيلياً بينهم 10 جنود). لكن الطرفين المتقابلين في هذه المواجهة وجدا ان لا مصلحة لأي منهما في الموافقة عليه والالتزام ببنوده: اسرائيل اعتبرت انه لا يحمي مصالحها ولا يوفر الأمن لسكان البلدات والمستوطنات التي تصيبها الصواريخ، و laquo;حماسraquo; قالت إن القرار laquo;لا يأخذ في الاعتبار اهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني، ويراد منه تأمين المصالح الامنية الاسرائيلية وحفظ ماء وجه الاحتلال بعد مجموعة من الاخفاقات التي مني بها في قطاع غزةraquo;.
هل هناك اهداف أهم بالنسبة الى الشعب الفلسطيني الآن اكثر من وقف المجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق ابنائه؟ وهل تكفي الصرخات والنداءات، بما فيها تلك التي تطلقها المنظمات الانسانية الدولية وتتهم فيها الاسرائيليين بالقتل المتعمد وبعدم احترام ابسط القوانين الدولية لحماية المدنيين خلال الحرب، لوضع حد لهذه الارتكابات؟
هناك مصلحة لإسرائيل في استكمال مسلسل القتل الى نهايته. هذه سياستها في الاساس: استخدام اكبر قدر من القوة وارتكاب اعلى نسبة من المجازر لاخضاع الفلسطينيين والعرب وارغامهم على القبول بالضمانات التي تزعمها اسرائيل وتطالب بها لحماية وجودها في منطقتنا. وقد اثبتت الدولة العبرية طوال مراحل النزاع معها انها قادرة على ذلك، وقد نجحت فيه، بسبب الضعف والتفكك العربي (والفلسطيني حالياً) في الدرجة الاولى، ثم نتيجة التعاطف والدعم اللذين تحظى بهما من معظم دول العالم وعلى رأسها بالطبع الولايات المتحدة. وهناك امام اسرائيل الآن فرصة متاحة لإكمال المواجهة الى النهاية التي تريدها، تحت ضغط انتخابات داخلية لا يستطيع اي طرف حزبي القبول فيها بأقل من الاهداف التي أُعلنت لهذه الحرب، وضمن وقت ضائع بين ادارة اميركية راحلة كانت سياستها متماهية بالكامل مع السياسة الاسرائيلية، وادارة قادمة تنبئ بإمكانات انفتاح على اطراف النزاع، ومن بينهم حركة laquo;حماسraquo;.
laquo;حماسraquo; من جهتها تجد في هذه الحرب laquo;فرصةraquo; لإثبات وجودها من جديد على الخارطة السياسية الفلسطينية والاقليمية. ولعل هذا ما تقصده الحركة عندما تبرر اعتراضها على القرار الدولي بأنها laquo;لم تكن طرفاًraquo; في المشاورات التي سبقته. اعداد الشهداء في هذا السياق السياسي تصبح، في نظر الحركة الاسلامية، عبئاً على صانع قرار الحرب في اسرائيل وعلى من يعينونه ويسكتون على جرائمه، أكثر مما هي عبء على اهل هؤلاء الشهداء وابناء دينهم ووطنهم، وهم الذين كان يفترض بهم، ولا يزال، ان لا يوفروا وسيلة تمنع المعتدي من التمادي في جرائمه، كي لا نقول عدم توفير الذرائع التي يمكن ان يستخدمها للاستمرار في عدوانه.
هنا بالضبط يقع الفارق بين الذين سارعوا من المسؤولين العرب ومن ساندهم من ديبلوماسيين دوليين الى وقف لإطلاق النار يوقف المجازر الاسرائيلية بانتظار استكمال الترتيبات الاخرى التي تتيح حلاً دائماً، وتشمل رفع الحصار وأمن المعابر وتهريب السلاح الى غزة، وبين الذين يعتبرون الحرب جزءاً من عملية سياسية لا يمكن الخروج منها إلا بانتصار كامل، وهو انتصار بات واضحاً، على الجانب الفلسطيني، كم هي اكلافه عالية، بحيث يصبح التساؤل مشروعاً عن معنى مثل هذا الانتصار ومغزاه، حتى لو افترضنا انه قابل للتحقيق.
اذا كانت اسرائيل تتحمل استمرار هذه الحرب الى النهايات التي تريدها، طالما ان اعداد قتلاها لا تشكل الى الآن وسيلة ضغط على القرار السياسي فيها لإيقاف الحرب، فهل يصح أن تتصرف laquo;حماسraquo; بالطريقة ذاتها، امام هذه الاعداد الكبيرة من الشهداء الذي سقطوا الى الآن، بمعدل 70 شهيداً في اليوم الواحد؟ وهل يكفي عدم وجود آلة للحساب السياسي في غزة لتبرير الاستمرار في هذا السلوك السائر الى نهايته الحتمية؟