سعد محيو

شيء غريب حدث خلال اليومين الماضيين:

إدارة بوش التي دأبت منذ اليوم الأول للعدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; على قطاع غزة على دعم هذا العدوان، ثم تحصينه دولياً، ثم تبريره تحت شعار ldquo;الدفاع عن النفسrdquo;، تقرر فجأة الامتناع عن التصويت (وبالتالي عن استخدام الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في القطاع، على الرغم من أن هذا القرار لايلبي أياً من شروط ldquo;إسرائيلrdquo;: فهو لا ينص على وقف تهريب الأسلحة عبر معبر رفح، وهو المطلب الرئيسي لrdquo;إسرائيلrdquo;، ولا على منع إعادة تسليح حماس (كما نص القرار 1701 على منع إعادة تسليح حزب الله)، ولا حتى على تسمية ldquo;الإرهاب الحماسيrdquo; باسمه. ومع ذلك سمحت إدارة بوش بتمريره في مجلس الأمن.

لماذا؟

ثمة نظريتان هنا:

الأولى تقول إن الهجوم ldquo;الإسرائيليrdquo; تم ليس فقط بموافقة إدارة بوش المستعدة للرحيل، بل أيضاً بالتنسيق مع إدارة أوباما المستعدة للمجيء التي اشترطت (على ما يقال) أن يُنجز الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; ldquo;المهمةrdquo; في غزة قبل أن يتسلّم الرئيس أوباما مهام منصبه في 20 كانون الثاني/يناير الحالي. وبما ان هذه المهلة اقتربت، اضطرت إدارة بوش إلى توجيه رسالة بهذا المعنى إلى ldquo;إسرائيلrdquo; عبر الامتناع عن التصويت.

النظرية الثانية تتحدث عن أمر آخر مغاير تماماً: الولايات المتحدة، ككل هذه المرة، شعرت أو علمت أن ldquo;إسرائيلrdquo; تنوي توريطها في حروب جديدة في الشرق الأوسط قبل أن تخرج من ورطتها في العراق. كيف؟ ربما عبر توسيع رقعة الحرب إلى لبنان وكل أنحاء الهلال الخصيب، أو من خلال شن هجمات جوية على المنشآت النووية الإيرانية.

صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; ألمحت قبل يومين إلى هذه النقطة الأخيرة حين قالت قبل يومين إن إدارة بوش رفضت السماح لسلاح الجو ldquo;الإسرائيليrdquo; بالتحليق فوق العراق لقصف أهداف نووية إيرانية. كما أنها امتنعت عن تزويد الدولة العبرية بالقنابل الخارقة للملاجىء وأجهزة التزود بالوقود في الجو الضرورية لمثل هذه العمليات. وهذا يعني، بكلمات أوضح، أن ldquo;إسرائيلrdquo; كانت تنوي بالفعل مهاجمة إيران عبر العراق، وأن الولايات المتحدة (وليس فقط إدارة بوش) رفضت ذلك باعتباره توريطاً لها.

وما يسري على إيران ينطبق على لبنان وسوريا وربما الأردن. إذ كان من مصلحة ldquo;إسرائيلrdquo;، ولايزال، أن تمدد حرب غزة إلى مناطق أوسع بهدف خلط كل الأوراق في الشرق الأوسط لتحقيق هدفين:

الاول، الاجهاز بضربة واحدة على القضية الوطنية - الديموغرافية الفلسطينية في كل من فلسطين 48 وغزة والضفة، عبر عمليات تطهير عرقي واسعة النطاق وسط غبار هذه الحرب الإقليمية الشاملة.

والثاني، فرض الأجندة ldquo;الإسرائيليةrdquo; الخاصة على السياسة الجديدة التي تنوي إدارة أوباما تطبيقها في المنقطة، خاصة حيال مسألة ldquo;احترامrdquo; إيران والحوار معها.

هنا، وفي هذه النقطة الأخيرة، يبدو التقاطع واضحاً بين النظريتين الأولى والثانية، حيث التفويض قصير المدى الذي منحته إدارة أوباما لrdquo;إسرائيلrdquo;، يمكن أن ينسفه تصعيد كبير في العمليات العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، من شأنه وضع كل الأطراف أمام أمر واقع جديد. أمر يخدم الأهداف الاستراتيجية العليا الخاصة بمواصلة فرص الهيمنة ldquo;الإسرائيليةrdquo; المنفردة على كل الشرق الاوسط.

أمر مدهش وغريب؟ حتماً. وهذا ما يجعلنا نرى أيضاً أموراً غريبة مماثلة، على غرار قيام إدارة بوش الصقرية بهذه الخطوة الحمائمية في مجلس الامن.