محمد الحمادي

quot;الحرب على غزة قامت من أجل إحلال السلام في فلسطينquot;... هذا ما ادعته إسرائيل وما تزال، وهذا ما كان يبدو واضحاً في اليوم الأول للاعتداءات على غزة، فقد انقضت إسرائيل على quot;حماسquot; بكل ما تملك من قوة، وقتلت أعداداً كبيرة من عناصرها بقصفها لمقرات الحركة ومراكز الأمن والشرطة، وكانت الصور التي رأيناها في اليوم الأول هي صور قتلى وجرحى عناصر quot;حماسquot;، لكن بعد يومين وإلى اليوم تغيرت الصورة تماماً، وتطورت الحرب بشكل مثير ومرعب فلم نعد نرى أي صور لمقاتلين بل صورا للأطفال والنساء والرجال الأبرياء الذين يدفعون ثمن السلام المطلوب!

ما يحدث في غزة خطير، وما يحدث بين السياسيين العرب أمر يستحق العزاء، وما يحدث في الشارع العربي أمر يثير الدهشة والاستغراب. فالعجز العربي وصل إلى حد بعيد والخلافات العربية صارت قاتلة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، فتلك الخلافات العربية العربية، جعلت بعضنا يتغاضى حتى عن الاعتداءات الإسرائيلية ويحاول هؤلاء البعض أن يفسروا ويحللوا ويفلسفوا الأمور، في حين أن هناك أمرا واحدا فقط، يجب أن يعملوا من أجله وهو إيقاف العدوان الإسرائيلي الوحشي على أهل غزة فقط لا غير. وأي شيء غير ذلك يمكن تأجيله إلى ما بعد إيقاف شلال الدم، الذي فتح ولا ندري متى يتوقف.

أما شارعنا العربي فهو مدهش حقاً عندما اختار أن يواجه مصر والدول العربية ويصب عليها جام غضبه لأنها -كما ادعى البعض- quot;تواطأتquot; ونسي هذا الشارع العربي أن الذي يقوم بالعدوان هي إسرائيل، وأن إسرائيل هي التي يجب عليه أن يصرخ في وجهها، فهي تقتل الأطفال والمدنيين وتدمر غزة عن بكرة أبيها وليست مصر. وسواء كانت بعض الدول العربية على علم بهذا الاعتداء أو لم تكن على علم به، فهذا أمر يناقش بعد أن تحقن دماء أهل غزة، وبعد أن يتم طرد إسرائيل من غزة، وإيقاف مجازرها التي لا تتوقف.

لكن ما يشفع لهذا الشارع استفاقته من شكه وهجومه على مصر بعد عشرة أيام من بدء الحرب في غزة، وهذا يبدو جيدا واعتقد أن على الشارع العربي وعلى أي مواطن عربي، عندما يقرر التظاهر والاحتجاج أن يفهم جيداً سبب ونتائج احتجاجه، فمصر كانت وستبقى هي رأس الحربة في العالم العربي والإسلامي، وليس إيران التي تمارس كل الألاعيب والحيل السياسية وغيرها من أجل التشويش على مصر وزعزعة مكانتها الكبيرة والراسخة في المنطقة وفي العالم الإسلامي. وعلى المسلم وعلى المواطن العربي بالتحديد أن يعرف هذه الحقيقة، وألا يسمح لأحد أن يتلاعب بها. ومصر هي الشقيقة الكبرى للعرب التي يهمها أمرهم ومصلحتهم، والتي يجب احترامها، فقوة مصر قوة للعرب والمسلمين وضعفها ضعف لهم.

يجب أن لا يفرح الفلسطينيون فقط لأن من مات هم شهداء وأنهم في جنات الخلد ولأنهم صمدوا في وجه أقوى قوة في المنطقة لعشرين يوماً، فان كان هناك ألف فلسطيني قد استشهد فما يزال على ارض غزة مليون ونصف المليون على قيد الحياة ولهم حقوق العيش الكريم بإعادة ما دمره المحتل، ولهم الحق في محاسبة إسرائيل على ما اقترفته من جرائم وما استخدمته من أسلحة محرمة دولياً... إسرائيل تربح دائماً، ولكن هذه المرة يجب استثمار التعاطف العالمي في كل مدن العالم مع ما يحدث في غزة من أجل فضح الجرائم الإسرائيلية أولًا ومن ثم إيقافها وضمان عدم تكرراها فبعد كل جريمة ارتكبتها إسرائيل سابقاً، نجحت في أن تتجنب أية عقوبات أو حتى تحقيقات دولية، ولكن هذه المرة يجب أن لا تمر المسألة كسابقاتها ويجب أن يعمل القادة الفلسطينيون من أجل قضيتهم بشكل أفضل لا أن يستمروا بالانشغال في توجيه التهم لبعضهم البعض حتى لا يبدوا صغارا أمام أبناء شعبهم.

الفلسطينيون انقسموا فقسموا العرب وخير ما يمكن أن يشغل به الفلسطينيون المعارضون لتصرفات quot;حماسquot; وقراراتها الانفرادية اليوم، هو أن يركزوا على المجازر الإسرائيلية والجرائم التي لا تحصى والتي ارتكبت بحق المدنيين والأبرياء لتقديمها كأدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية.. ويجب أن يعمل العرب ولو مرة واحدة بحرفية وعقلانية وبعيداً عن الضوضاء والغوغائية وردود الأفعال الانفعالية التي تختفي بانتهاء الحرب... فما فعلته إسرائيل اليوم وما تفعله هي جريمة حرب ضد الإنسانية وضد الطفولة وضد كل القيم البشرية والقوانين والأعراف الدولية، لذا لابد من أن يحصي الفلسطينيون جرائم الاحتلال ويقدموها إلى المحكمة الدولية لتتخذ إجراءاتها في حق هذه الآلة العسكرية التي لا ترحم طفلاً أو امرأة، وتستغل ما تسميه quot;حربا على الإرهابquot; في تدمير شعب والقضاء على جيل من الفلسطينيين.

ونحن نراقب الحرب الدائرة في غزة اليوم لا نرى لها نهاية ndash;رغم ادعاء إسرائيل بأنها ستنتهي الأسبوع المقبل- وهنا اتفق مع وزير خارجية مصر أحمد ابوالغيط في quot;أن إسرائيل لن تستطيع أن تقضي على حماسquot;.. فغداً تدخل الحرب يومها العشرين دون أن تحقق إسرائيل أهدافها وما تزال صواريخ quot;حماسquot; تنطلق.. وبالتالي على إسرائيل أن تتوقف فوراً عن حربها على غزة، خصوصا أنها صارت مقتنعة بالنتائج التي حققتها على أرض الواقع، وما يساعد ايهود باراك أن يفوز في الانتخابات المقبلة وهو الهدف غير المعلن للحرب.

إسرائيل وحدها تتحمل مسؤولية ونتائج المجازر في غزة، لكن quot;حماسquot; أعطت المبررات لإسرائيل لبدء هذه الحرب سواء قبل quot;الحمساويونquot; بذلك أم رفضوه، وسواء اعتبروها مبررات تافهة أو حقيقية- فلا أحد ينكر أن quot;حماسquot; فعلت ذلك، وعن قصد لسببين أولهما، لأن إيديولوجيتها وعقيدتها، تقومان على المقاومة والمواجهة والقتال، والأمر الآخر كي تنهي الحصار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي المفروض عليها كحكومة مقالة تريد أن تقول للعالم بأنها موجودة.

العرب منقسمون بشدة إلى فئتين: فئة تريد أن تحمي الأطفال والأرواح البريئة في غزة، وفئة تريد العزة والكرامة والانتصار على الصهيونية مهما كلف الثمن... لكن بعد هذه الحرب وبعد الانقسام الفلسطيني والانقسام العربي، اعتقد أن الوقت قد حان كي يترك العرب الفلسطينيين يتخذون قراراتهم بأنفسهم، وأن لا يتدخلوا فيما بينهم فما يريده الفلسطينيون من دعم مالي ودعم سياسي يجب أن يحصلوا عليه من أجل قضيتهم العادلة، أما تفاصيل العمل الفلسطيني، فيجب أن تبقى فلسطينية خالصة وقرارهم يجب أن لا يتدخل فيه أحد - حتى وإن اختاروا الاقتتال من جديد- فهذا شأنهم، فالعرب يجب أن ينظروا إلى فلسطين على أنها قضيتهم الأم التي يجب أن تحصل على الدعم الدائم. وعلى الفلسطينيين أن يتخذوا قراراتهم التي يرونها صائبة ومن بعد ذلك عليهم أن يتحملوا مسؤولية تلك القرارات، لأن التاريخ يبين أنهم وحدهم من يدفع الثمن الباهظ لجميع القرارات وغزة أكبر دليل أمامنا اليوم.