خيرالله خيرالله

ما يحمي لبنان في هذه الأيام المصيرية هو الأبتعاد عن أي نوع من أنواع المغامرات والتعلق في الوقت ذاته بثقافة الحياة. درس غزة بليغ بحد ذاته. الأنتصار على أسرائيل لا يكون بالكلام والخطابات من نوع ذلك الخطاب الذي ألقاه السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; الذي حاول تجاوز المأزق الذي تعاني منه الحركة بالدعوة ألى أنتفاضة فلسطينية ثالثة وألى أنضمام الضفة الغربية ألى المغامرة التي دخلتها quot;حماسquot; في غزة أرضاء للمحور الأيراني- السوري. أنها مقامرة أكثر مما هي مغامرة نظرا ألى أن السيد مشعل يحاول ألقاء مسؤولية ما آلت أليه الأوضاع في غزة على الآخرين بدل أمتلاك ما يكفي من الجرأة والشجاعة لتحمل مسؤولية الأخطاء التي أرتكبها بسبب تحول quot;حماسquot; بفضل أمثاله مجرد أداة لدى المحور الأيراني- السوري من جهة وقبوله بأن يكون الشعب الفلسطيني مجرد وقود في معارك وصراعات أقليمية من جهة أخرى.
ليقل لنا خالد مشعل ومن يستخدمون لغته ما هي الأهداف السياسية لحركة مثل quot;حماسquot;. ليقل لنا ما الذي يعنيه بالمشروع الذي يريد تحقيقه والذي من أجله يستشهد كل هؤلاء الفلسطينيين في غزة. المؤسف أن لا وجود لدى quot;حماسquot;لمشروع وطني يستأهل أن يسقط مئات الفلسطينيين شهداء وأن يصاب الآلاف بجروح وعاهات قد تكون دائمة. لا وجود سوى لمشروع وطني واحد هو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يستأهل بالفعل النضال والتضحية من أجله تحت راية السلطة الوطنية الفلسطينية التي مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية وذلك على الرغم من كل مساوئ quot;فتحquot; وفساد بعض قياداتها.
على اللبنانيين أن يتنبهوا جيدا ألى أنهم لا يستطيعون حماية وطنهم أذا لم يتعلموا شيئا من درس غزة حيث تبحث quot;حماسquot; عن أنتصار أقرب ألى السراب من أي شيء آخر. تماما مثل الأنتصار الذي حققه quot;حزب اللهquot; صيف العام 2006 والذي تبين أنه أنتصار على لبنان لا أكثر. لو كان أنتصار quot;حزب اللهquot; حقيقيا لما كان الحزب مضطرا في مرحلة معينة ألى أستكمال العدوان الأسرائيلي على لبنان عن طريق الأعتصام الطويل في الوسط التجاري والأعتداء على الأملاك الخاصة والعامة مستعينا بالأداة التي أسمها النائب ميشال عون وبعض من هم على شاكلته. الفارق بين quot;حماسquot; وquot;حزب اللهquot; أن الأخير أرتد بسلاحه على لبنان واللبنانيين لمحاولة أقناعهم وأقناع نفسه أوّلا بأنه أنتصر في حرب صيف العام 2006. لم يكتف بألأعتصام في وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الأقتصادية ودفع عشرات آلاف اللبنانيين ألى الهجرة فحسب، بل عمد بعد ذلك ألى غزو بيروت والجبل لتأكيد أن سلاحه يشكل الوسيلة الأولى لفرض تغيير في لبنان وفي طبيعة نظامه السياسي وقلب موازين القوى فيه لمصلحة المحور الأيراني- السوري أيضا.
ما يسعى أليه خالد مشعل حاليا هو الأرتداد على الداخل الفلسطيني على غرار ما فعله quot;حزب اللهquot; بعد تحقيق نصره quot;الألهيquot; على أسرائيل. نسي رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; أمرا في غاية الأهمية. نسي أنه سبق لquot;حماسquot; أن أستهلكت هذه الورقة عندما أرتدّت على الداخل ونفّذت أنقلابها منتصف حزيران- يونيو 2007 في غزة وأستولت على القطاع بالقوة وألقت بمناصري quot;فتحquot; أحياء من الطبقات العليا للبنايات بغية فرض هيبتها وتأكيد أنها مستعدة للذهاب بعيدا في السيطرة على القطاع وتحويله quot;أمارة أسلاميةquot; تتحكم بها طهران ودمشق. الآن تسعى quot;حماسquot; الى الهرب من مأزقها في غزة حيث تمارس أسرائيل أرهاب الدولة بكل الوسائل المتاحة لها عن طريق الأستعانة بالضفة الغربية والدعوات المضحكة - المبكية ألى جسر جوي عربي ينقل أسلحة ألى غزة أو التحريض على هذا النظام العربي او ذاك. يتجاهل السيّد مشعل أنه مقيم في دمشق وأنه في بلد أغلق الجبهة مع أسرائيل منذ العام 1974 على الرغم من أن الجولان لا يزال محتلا. لماذا لا يسير رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; على نهج البلد الذي يقيم فيه ويسعى ألى أستعادة حقوقه بالوسائل الديبلوماسية أنطلاقا من غزة التي أنسحب الأسرائيليون منها في العام 2005؟ لماذا لا يستخدم غزة نموذجا لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الذي يحظى بدعم عربي ودولي؟
ليس أمام quot;حماسquot; سوى مخرج واحد من أزمتها. يتمثل المخرج في العودة ألى كنف الشرعية الفلسطينية والأنضمام ألى الجهوذ المبذولة لأستصدار قرار جديد عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يسمح بنشر قوة دولية في غزة وحتى في الضفة الغربية. لعلّ الدرس الذي يفترض في اللبنانيين تعلمه من تجربة غزة يتمثّل في أن ما يحمي لبنان هو الوحدة الوطنية أولا وكنف الشرعيتين العربية والدولية ثانيا. لا توجد دولة عربية تريد خوض حرب مع أسرائيل. لا توجد دولة عربية تريد أن تأخذ من تجربة غزة مثالا يقتدى به. ليزايد اللبنانيون على النظام السوري وعلى من يوجهونه في طهران قدر ما يشاؤون. ولكن حذار أطلاق الصواريخ والدخول في لعبة تستهدف أخراج المحور الأيراني- السوري من مأزق غزة. من يريد الخروج من المأزق عليه أتباع تعليمات السلامة. في مقدمها أن لا بديل من ثقافة الحياة ولا بديل من العودة عن فكرة أن السياسة مقامرة. سبق للراحل صدّام حسين أن أعتقد أن السياسة مقامرة وظل يقامر ألى أن وصل بجنونه ألى الكويت مستشهدا بآيات قرآنية، فبلغ في النهاية حبل المشنقة. الشعب الفلسطيني يستحق أفضل من ذلك بكثير. يستحق الأنتماء ألى ثقافة الحياة التي ينتصر بها على الأحتلال والعدوان الأسرائيليين بدل التعلق بثقافة الموت التي لن تقوده سوى ألى كوارث ومآس أخرى على نسق تلك التي تتعرض لها غزة في هذه الأيام!