ليونيد ألكسندروفتش

مما لاشك فيه أن الأوساط الإعلامية والثقافية والسياسية الروسية تشهد نشاطا من المتعاطفين مع إسرائيل، باتجاه إقناع الرأي العام بأن المسؤول عن سفك دماء المدنيين والأطفال الشيوخ والنساء في قطاع غزة هي (حركة حماس) التي استقبلتها موسكو منذ عامين.
وليس الجيش الإسرائيلي الذي يقوم بمئات الغارات والعمليات العسكرية بآلته الحربية المتطورة، ويقتل بدم بارد النساء والأطفال والشيوخ ويدمر المنازل والمدارس ودور العبادة.
ولابد من القول أن هؤلاء المتعاطفين يمكن أن يجدوا أذانا صاغية في ظل غياب الرأي الأخر، ولأن روسيا اليوم تختلف عن روسيا السوفيتية التي كان يتحرك فيها عشرات الآلاف في مظاهرات تضامنية مع الحقوق العربية بقرار من اللجنة الحزبية، وتجمع مئات الآلاف من الدولارات كتبرعات لدعم صمود الشعب الفلسطيني بقرار من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الذي كان يعتبر تأييد القضايا العربية في الجدول الدائم لأجندة سياساته الخارجية.
روسيا اليوم تختلف عن الماضي، وتفكر بعقلية براجماتية، وتحتاج للمعرفة والاطلاع والتواصل حتى تكون هناك رؤية وموقف صحيح وواقعي من الأحداث. وإذا كان المتعاطفون مع إسرائيل اليوم في مختلف الأوساط يقومون بالتأثير على الرأي العام لاستقطابه لدعم سياسات تل أبيب الهمجية ضد الشعب الفلسطيني.
فإن أنصار الحقوق العربية المشروعة لا يستطيعون القيام بأي شيء!! بالرغم من أن أحدا لا يمنعهم، بل وتلقى أنشطتهم تأييدا وترحيبا حكوميا. ولكن هؤلاء النشطاء يفتقدون للتواصل مع حلفائهم العرب بشكل يكاد يكون كاملا، وهو ما يتوفر لدى أنصار إسرائيل الذين تتواصل معهم الأوساط الصهيونية والإسرائيلية، وتنسق معهم تحركاتهم.
الكثيرون من أعضاء البرلمان ومجلس الفيدرالية الروسية وأعضاء في الحكومة يتعاطفون ويؤيدون الحقوق العربية،ومنهم كثيرون مسلمون، ولا يجدون من يتواصل معهم في المنطقة العربية ويقدم له حقيقة ما يحدث في المنطقة،أو من ينسق ويتعاون معهم في تنفيذ خطط وبرامج سياسية واجتماعية تضامنية.
ومن الصعب على هؤلاء أن يتعلموا اللغة العربية حتى يتابعوا القنوات العربية والصحف العربية لمعرفة ما يحدث. لأن العرب ببساطة لم يحرصوا على التواصل واللقاء معهم لإطلاعهم على مسار الأحداث.
هكذا تبدو الصورة اليوم، وقد تختلف حقائق الأمور عن هذا العرض المبسط لضعف الصوت المؤيد للحقوق العربية.إلا أن الجانب الأكثر عمقا في القضية هو أن الجانب العربى لم يكن السبب في حيرة أنصاره الروس فقط،وإنما أيضا أثار حيرة الدبلوماسية الروسية التي كانت ومازالت إلى جانب الحقوق العربية.
بات واضحا أن بعض الحكومات العربية لم تتحرك بما يتلاءم مع جسامة الحدث وخطورته، وتضاربت المواقف بين البحث عن مسؤول عن هذه الأحداث الدامية والبحث عن سبيل لإنقاذ السكان المدنيين. بالرغم من أن الذي يتحمل مسؤولية الجريمة هو من يقتل الأبرياء ولا يمكن أن يتم تحميل آخرين بشكل تعسفي ذلك.
ومنذ بداية الأحداث تحركت موسكو، إلا أن الدبلوماسية الروسية اصطدمت بنفس المشكلة التي يواجهها أنصار الحقوق العربية في روسيا، حيث افتقد تحركها إلى التجاوب والتواصل العربي، واذا كانت الدبلوماسية الروسية قد اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي فهذا أمر متوقع ومفهوم،خاصة أن حكومة تل أبيب تسعى لإزاحة روسيا من المنطقة.
لكن المشكلة أنه بدا وكأن الجانب العربي أيضا رافض للمداخلة الروسية دون تقديم مبررات أو أسباب مقنعة.إلا أن روسيا واصلت جهودها لدعم السكان المدنيين الأبرياء الذين يواجهون رصاص وقنابل الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية، وأرسلت عدة طائرات محملة بالمساعدات، وكان الرئيس ميدفيدف يتابع عمليات إرسال المساعدات.ولعبت الدبلوماسية الروسية دورا مؤثرا في إصدار قرار مجلس الأمن الأخير الداعي لإيقاف الهجوم الإسرائيلي الوحشي.
حرص روسيا على تسوية أزمة الشرق الأوسط وعلى دعم الحقوق العربية لن يتحول لفعل مؤثر ما لم يتجاوب معه أصحاب المصلحة، وإلا سيبقى مجرد عبارات منمقة وكلمات طيبة.