جهاد الخازن

هللويا... لم يبقَ لجورج بوش في البيت الأبيض غير مئة ساعة أو أقل، وعندما يصل القارئ الى نهاية هذه السطور تكون المدة قد انخفضت.

ثماني سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس، لا السِّمان فقط، ويستطيع باراك أوباما بعده أن يرتفع الى مستوى التوقعات أو يهبط دونها، إلا أنه سيظل رئيساً أفضل من بوش الابن، أو الولد، لأنه لا يمكن أن يكون أسوأ.

هل يوقع جورج بوش مزيداً من الأذى في الأميركيين، أو حول العالم، خصوصاً فينا نحن، في ساعاته الأخيرة، قبل أن تلفظ إدارته أنفاسها؟ يفترض أن يكون يجمع حوائجه في علب كرتونية ليرحل، إلا أنني أجري laquo;جردة حسابraquo; لسنواته الثماني من دون أن أضمن أن يرحل من دون مصيبة أخرى.

في 3/12/2008 كتب هارولد مايرسون في laquo;واشنطن بوستraquo; مقالاً عنوانه laquo;آخر أخطاء بوشraquo; اشارة الى الأزمة المالية العالمية، وقال إن من حظ الرئيس ان الشعب تعب منه ونسيه بانتظار أوباما. الكاتب نسب الأزمة المالية الى سوء إدارة بوش، وهو أصاب تماماً، فقد قرأت هذا الأسبوع في الجريدة نفسها تحليلاً جمع بين الأرقام والخبراء وانتهى الى الاستنتاج أن الاقتصاد الأميركي تقدم قليلاً في ولاية بوش، فزيادة حجم الوظائف كانت الأقل في 70 سنة، والانتاج الأبطأ نمواً منذ ولاية ترومان، وباستثناء ولاية بوش الأب.

مايرسون كان متفائلاً، فالاقتصاد لم يكن آخر الأخطاء، والشهر لم ينته إلا وكان جورج بوش أعطى اسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة قطاع غزة. وليس هذا رأيي ككاتب عربي، فأمامي صحف وكتّاب غربيون زايدوا علينا، والعناوين من نوع laquo;بوش أعطى الضوء الأخضرraquo; أو laquo;بوش وفّر غطاء للهجومraquo; أو بوش قال laquo;استمروا في القتلraquo;. وتوقفت أمام عنوان مقال كتبه روبرت دريفوس، فقد كان laquo;آخر جرائم الحرب لبوشraquo;، وتساءلت إن كان هذا صحيحاً، أو أن هناك جناية أخرى قبل أن تنقضي الساعات المئة.

تظل جريمة احتلال العراق لأسباب ملفقة عمداً أكبر من الجرائم الأخرى، غير أنني أريد أن أتناولها في مقال يطالب بمحاكمة المجرمين، أما اليوم فأقول إن الفشل جاء على ظهر جَمَل خلال إدارة بوش وسأستعين برأي كاتب أميركي حتى لا يقال إنني أتحامل.

وليام ريفرز الذي احتلت مؤلفاته قائمة أكثر الكتب مبيعاً بعث برسالة وداعية طويلة الى بوش حملت عنواناً ساخراً هو laquo;أعظم عظمة لجورج دبليو بوشraquo; عدّد فيها خمساً من أخطائه أو خطاياه. الأولى، عدد التحذيرات من أفراد ووكالات متخصصة عن أن أسامة بن لادن يعدّ لهجوم، إلا أن بوش تجاهلها كلها. والثانية، أنه بعد شهرين من الإرهاب وقف على أنقاض برجي التجارة العالمية في 4/10/2001 وأعلن خفض الضرائب للشركات والأثرياء. والثالثة، أنه أهدر مئات بلايين الدولارات من الموازنة العامة في حربه على العراق، وحوّل الى الحرب 70 بليون دولار كان سينفقها سلاح الهندسة في الجيش الأميركي على تقوية السدود في نيو أورليانز، والنتيجة أن ضرب الإعصار كاترينا المدينة وانهارت السدود، ودمرت مدينة جنوبية تاريخية. والرابعة، أنه ترك نائبه ديك تشيني يعمل ما يريد ثم يرفض تسليم أوراق مكتب نائب الرئيس بحجة أنه جزء من الكونغرس لا الإدارة. والخامسة، انه استعمل الفيتو مرتين ضد أبحاث الخلايا الجذعية التي كانت ستنقذ حياة ملايين الأميركيين الآن وفي المستقبل.

ريفرز ينهي رسالته بالقول: أرجو أن تعيش الى الأبد يا ابن... (شتيمة لوالدة الرئيس).

كله صحيح، باستثناء الشتيمة، وهو أقل مما جنت يدا بوش، الذي أصرّ هذا الأسبوع على أن أخطاءه أقل من إنجازاته والعالم لا يكره أميركا. هو سرق من الأميركيين حقوقهم المدنية، وتجسس عليهم، وانتهك الدستور، وانتهى بحذاء رماه شاب عراقي على رأسه، وهو يقول في مؤتمر صحافي والى جانبه رئيس الوزراء نوري المالكي إن غزو العراق مبرر من أجل laquo;أمن أميركاraquo;، أي أن قتل مليون عراقي بريء ثمن مقبول لحماية أمن أميركا، مع العلم أن لا علاقة البتة بين الاثنين.

بعد laquo;آخر الأخطاءraquo; وبعد laquo;آخر جرائم الحربraquo; نعرف أن جورج بوش ارتكب جريمة اضافية، فهو كان سمح لرئيس وزراء اسرائيل ايهود أولمرت بغزو قطاع غزة، وعندما نوقش الموضوع في مجلس الأمن، أرادت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن تصوّت بالموافقة على مشروع قرار هي كتبته، إلا أن بوش أمرها باستعمال الفيتو، وبعد جدل طويل وافق على أن تمتنع عن التصويت على قرار هي كتبته لأنه يريد استمرار قتل النساء والأطفال في غزة (وربما يختار القارئ أن يقرأ تفاصيل هذا الجدل بين الرئيس والوزيرة في تحقيق لم ينفه أحد نشرته laquo;واشنطن تايمزraquo; قبل يومين).

هي مئة ساعة أو أقل ويترك البيت الأبيض أسوأ رئيس في التاريخ الأميركي، رئيس رمز ولايته حذاء طائر، وأكمل غداً.