رغيد الصلح

كان من المفروض أن تكون القمة العربية الاقتصادية في عمان عام 1980 واحدة من أهم القمم العربية التي عقدت بين الدول العربية منذ عام 1964 يوم عقدت القمة العربية الاولى. واكتسبت تلك القمة أهميتها من موضوعها ومن أهمية الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية العربية في حد ذاتها. كذلك اكتسبت تلك القمة أهميتها جراء الاعتناء الذي أحيطت به ومن إدراك الكثير من القيادات العربية الرسمية والأهلية لأولوية الاقتصاد في بناء وتنفيذ استراتيجية للنمو وللتقدم على كل صعيد عربي سياسي واجتماعي وأمني ودفاعي. وكان من المتوقع أن تكون تلك القمة منعطفاً كبيراً في تاريخ العلاقات العربية-العربية وفي الارتقاء بأوضاع المنطقة وتوطيد استقرارها وحماية مصالحها وحقوقها الوطنية من الضغوط الاقتصادية المجحفة التي كانت تمارس عليها.

لقد ذهبت تلك التوقعات والآمال أدراج الرياح، رياح الحرب العراقية-الإيرانية. فلقد انقسمت الدول العربية الى محورين: فريق شارك فيها، وفريق آخر اتجه الى مقاطعة القمة والتنديد بها، هذا فضلاً بالطبع عن الامتناع عن تنفيذ مقرراتها. ولم تلبث تطورات الحرب نفسها أن طغت على القمة ونتائجها، وضاعت تلك النتائج ومشاريع التعاون الاقتصادي التي أقرتها في خضم دوي المدافع على الحدود العراقية-الإيرانية.

القمة الاقتصادية العربية المقبلة قد تتعرض الى نفس المصير اذا غابت عن القيادات العربية المعنية، رسمية كانت أم شعبية، الاعتبارات الرئيسية التالية:

* أولا، إن الدفاع عن شعب فلسطين وحماية حقوقه ومصالحه قد يكون مهمة المقاومة الفلسطينية بالدرجة الاولى، أما مناهضة الصهيونية بما تمثله من نفوذ عالمي غير محدود، ومناهضة ldquo;إسرائيلrdquo; التي تملك واحداً من أقوى الجيوش في العالم بالمقارنة مع صغر حجمها، فإنها ليست مهمة الفلسطينيين وحدهم بل هي مهمة العرب كلهم، كما أنها مهمة المجتمع الدولي بأسره. إن خطر ldquo;إسرائيلrdquo; على العرب لا تعود الى المجازر التي ترتكبها في غزة وإنما لأنها قد ترتكب مثلها ضد أي شعب عربي كما فعلت ضد اللبنانيين عام ،2006 وخطرها على المجتمع الدولي لا ينبع مما تفعله بالفلسطينيين وبالعرب فحسب، وانما أيضا لأنها تمثل نقضاً متمادياً وفتاكاً لمروحة واسعة من القيم الإنسانية التي ناضل من أجلها العرب بأسرهم، وكافة الشعوب والأمم من دون استثاء. لهذا السبب وليس لما تفعله ldquo;إسرائيلrdquo; في غزة فحسب، اعتبرها أكثر الأوروبيين قبل سنوات أخطر دولة على السلم العالمي.

لقد سعت الصهيونية الى تقديم نفسها الى دول العالم الثالث كحركة تحرر وطني، ولكن زيف هذا الادعاء سرعان ما كشفه تاريخ الحركة الصهيونية وتاريخ ldquo;إسرائيلrdquo;، إذ إنه يدل على ان الصهيونية كانت حليفاً للإمبريالية الاوروبية إذ وقفت الى جانبها في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. أما على الصعيد العالمي فيكفي تحالفها القوي مع نظام الابارتايد في جنوب إفريقيا والتعاون التسليحي المتين بين الطرفين وصولاً الى التجارب النووية المشتركة التي نفذاها معاً لكشف الدور المعادي للإنسانية الذي اضطلعت وتضطلع به الصهيونية وrdquo;إسرائيلrdquo; على الصعيد العالمي.

* ثانيا، إن الفلسطينيين والعرب يخوضون صراعاً غير متكافئ مع ldquo;اسرائيلrdquo; بسبب الدعم غير المحدود الذي تلقته ldquo;اسرائيلrdquo; ولا تزال تتلقاه حتى هذا التاريخ من دول الغرب. بيد أنه ينبغي عدم التعامل مع هذا المعطى بنهج سكوني. فموازين القوى قابلة للتعديل وللتبدل. الخطوة الأولى من اجل تبديل هذه الموازين هي في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. الخطوة الثانية والتي تتزامن معها هي في وقف التدهور المريع في العلاقات العربية-العربية والاتجاه الى تطويرها. فلا ريب أن هذا التدهور يشجع ldquo;اسرائيلrdquo; على المضي في حربها ضد غزة. بالمقابل فإن إغلاق الهوة بين الدول العربية واتفاقها على موقف واحد تجاه مسألة الوقف الفوري للعدوان سوف يضيق على ldquo;الإسرائيليينrdquo; فرصة المناورة واستغلال الوقت من أجل قتل المزيد من الفلسطينيين.

ثالثا، إن الصراع مع ldquo;اسرائيلrdquo; ليس صراعاً مسلحاً فحسب، وإنما هو صراع متعدد الابعاد، ومنه بكل تأكيد الصراع الاقتصادي. تنمية العلاقات الاقتصادية العربية البينية تشكل مدخلاً مناسباً لتنمية الطاقات العربية على كل صعيد وتعزيز قدرتهم في مجال حماية أنفسهم وحماية الفلسطينيين من العدوان.

أخذاً بعين الاعتبار هذه الملاحظات، هل هناك ما يمكن للقمة الاقتصادية العربية أن تفعله من أجل الفلسطينيين ومن أجل احتواء العدوانية الصهيونية وتحييدها؟ نعم بكل تأكيد. القمة الاقتصادية العربية تستطيع إحياء المقاطعة الاقتصادية العربية لrdquo;إسرائيلrdquo;. إنها مقاطعة مشروعة بأي معيار. لقد بدأ ldquo;الإسرائيليونrdquo; حرباً اقتصادية ضد عرب غزة، فمن حق العرب ان يردوا على هذه الحرب بمثلها. وما عدا ذلك فإن إحياء المقاطعة الاقتصادية العربية ضد ldquo;إسرائيلrdquo; لا يستجيب الى موجبات الدفاع عن النفس ضد قوة لم تنفك عن إشاعة الدمار في فلسطين ولبنان والعراق، وعن احتلال أراض عربية وتهديد الأمن القومي العربي عموما، وانما أيضا يستجيب الى موجبات الدفاع عن منظومة القيم الانسانية التي تناهض الغزو الاستيطاني الاستعماري، والاستحواذ على أراضي الشعوب الأخرى عنوة وبالحرب.

إن الدعوة الى مقاطعة ldquo;اسرائيلrdquo; لم تعد تعبر عن موقف عربي فحسب، بل إنها دعوة تلقى أصداء متنامية في المجتمع الدولي وتنضم اليها يوماً بعد يوم أطراف جديدة وفاعلة من منظمات المجتمع الدولي العالمي. فمن بين الذين يطالبون بهذه المقاطعة مجلس الكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة، واتحاد الكنائس، واتحاد الصحافيين في بريطانيا، واتحادات البلديات والعمال والموظفين في إيرلندا واتحاد نقابات العمال في جنوب إفريقيا. إن لائحة المطالبين بالمقاطعة الاقتصادية لrdquo;اسرائيلrdquo; تتسع يوماً بعد يوم فإذا اتخذت القمة الاقتصادية العربية قراراً بتجديد المقاطعة وتزخيمها تكون قد تجاوبت مع رغبات هيئات ومنظمات تمثل الضمير الإنساني والدولي الذي يستهول ما يجري في غزة من قتل ودمار واستهزاء بالقيم الإنسانية والحضارة البشرية.