القاهرة - احمد سيد حسن

اختارت مصر الذهاب الى الكويت للمشاركة في اعمال القمة الاقتصادية، وعلى الهامش المشاركة في مشاورات عربية حول الوضع في غزة، فيما اعتذرت عن المشاركة في القمة العربية laquo;الطارئةraquo; في الدوحة، وابلغت الوسطاء العرب الذين حاولوا حتى اللحظات الاخيرة اقناعها بالذهاب الى قطر.فحسب مسؤول مصري كبير في وزارة الخارجية طلب عدم الافصاح عن اسمه، فإن مصر وجدت ان ذهابها الى القمة وتمثيلها الكبير بمشاركة الرئيس حسني مبارك سوف يؤدي الى الحاق ضرر كبير بالعلاقات العربية ــ العربية التي تعاني من حالة استقطاب سياسي واضح، اضافة الى استمرار الخلافات العربية حول الموقف في غزة، مما لا يسمح بوجود اجواء هادئة تتيح التوصل الى مواقف مشتركة.

الاجواء الاعلامية وحالة الشحن السائدة رفعتا سقف التوقعات الشعبية العربية بشكل خطير، بحيث بات مطلوبا اتخاذ قرارات مهمة هي في الاساس تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للدول المختلفة، وبينها مصر، حيث طرح البعض امام وسائل الاعلام افكاراً مثل: تجميد اتفاقيات laquo;كامب ديفيدraquo; المصرية ــ الاسرائيلية، وابعاد السفير الاسرائيلي من القاهرة واستدعاء السفير المصري من اسرائيل.
وباتت الاجواء التي ستعقد فيها القمة بمنزلة laquo;محاكمةraquo; للسياسة المصرية، وهو ما تخشى منه القاهرة المستعدة لسماع وجهات النظر المختلفة في اجواء هادئة بعيدا عن الحملات الاعلامية، خصوصا ما قامت به قناة laquo;الجزيرةraquo;، التي فتحت المجال واسعا امام انتقاد السياسة المصرية بشكل كبير، الى حد اتاحة المجال لمن اتهموا مصر laquo;بالتواطؤ مع العدوان الاسرائيلي على غزةraquo;!

الإعلام المصري يتدخل
وقد شارك جزء كبير من الاعلام المصري في لعبة الحملات المتبادلة، وهو ما جعل مشاركة مصر في قمة الدوحة بالغة الصعوبة، بعد ان تم محاكمة القمة هي الاخرى قبل ان تبدأ.
وبالتالي فإن جدول اعمال القمة اصبح مدرجا على الفضائيات وامام المحللين والكتاب والسياسيين الهواة المحترفين على حد سواء. والاخطر من ذلك ان مشاهد القتل والمذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني اصبحت تشكل خلفية لأي قمة، وهو ما يحتاج الى هدوء اعصاب والابتعاد عن الانفعالات في مواجهة هذه الجرائم، فالمطلوب هو اتخاذ قرارات مهمة ومصيرية تتعلق بمسار الصراع العربي ndash; الاسرائيلي بأكمله.

شطب المبادرة المصرية
وجدت القاهرة ان ردود الفعل الصادرة من معظم العواصم العربية،
وبصفة خاصة دمشق والدوحة، هي ضد المبادرة المصرية، التي تعتبرها مصر laquo;طوق إنقاذraquo; للشعب الفلسطيني في الوقت الحالي، وآلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1860.

رسائل حماس
وعلى الرغم من ان الاتهامات التي طالت مصر ndash; مع الطلقة الاسرائيلية الأولى ضد غزة ndash; فإن الإدارة المصرية لم تفقد أعصابها، واستمرت في بذل الجهود السياسية، ولم تغلق الأبواب في وجه حركة حماس. كما استمرت في استقبال وفدي الحركة القادمين من غزة ودمشق.
وخلال الاتصالات المصرية مع وفد حماس تبين بجلاء أن مهمة الوفد هي مجرد تبادل الرسائل. إذ ظل القرار السياسي بعيدا عن مستوى تمثيل الوفد الذي حرص الوزير عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية، على استقباله، مؤكدا استعداد بلاده لاستقبال رئيس المكتب السياسي خالد مشعل وقيادات الداخل المؤثرة. إلا ان مشعل لم يطلب زيارة القاهرة بنفسه، واستمر في ارسال الرسائل وتقديم شروط صعبة من عينة اعادة افتتاح معبر رفح وفقا لاتفاقية ثلاثية جديدة تضم مصر والاتحاد الأوروبي وحماس. ثم عادت الحركة لتعلن استعدادها لقبول تواجد الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية.

معبر رفح laquo;العبءraquo;
وأكدت القاهرة من جديد انها ليست طرفا في laquo;بروتوكولraquo; المعابر الموقع في أكتوبر من عام 2005 بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، وأن إبعاد اسرائيل يعني إنهاء كل مسؤولية لها عن قطاع غزة، حيث ترى مصر ان القطاع لايزال تحت الاحتلال وكذلك جميع الأراضي الفلسطينية، وان إسرائيل تريد ببساطة التخلص من عبء القطاع ومصير مليون ونصف المليون فلسطيني والقاء هذا العبء على مصر. كما أكدت مصر ان تعديل اتفاق المعابر بالصورة التي تريدها حماس من شأنه تكريس فصل الضفة عن القطاع. وعلى الرغم من ان مصر لا تعترف سياسياً بحركة حماس وترفض توجهاتها الفكرية الهادفة الى اقامة امارة اسلامية على حدودها، فانها مستعدة لبذل كل جهد لكي تصبح حماس طرفا سياسيا في اي مفاوضات او ترتيبات دولية لوقف اطلاق النار، وهو ما قامت به مصر عمليا بالمساعدة في ابرام اتفاق التهدئة مع اسرائيل في 18 يونيو الماضي، كما عملت الى التوصل لاتفاق آخر لتبادل الاسرى وفتح المعابر بصفة منتظمة.

الأنفاق
ووفقا لروايات غير رسمية، فإن القاهرة عانت طويلا من قضية الانفاق التي يتم حفرها بين المساكن الموجودة في رفح المصرية نحو رفح الفلسطينية، والأوضاع على شريط فيلادلفيا الذي يمتد مسافة 14 كيلومتراً. وقد تجاهلت مصر ndash; وفقاً لتلك الرواية ndash; عمليات التهريب التي كانت تتم من مصر باتجاه غزة، طالما أنها كانت تقتصر على السلع الغذائية والمواد الطبية وحتى المواشي. وتحولت قضية الأنفاق إلى مشكلة دائمة في العلاقة المصرية الاسرائيلية، ووصلت الى اجندة العلاقات المصرية ــ الاميركية، حيث طالبت لجنة المساعدات الخارجية في الكونغرس الاميركي بايقاف المساعدات العسكرية لمصر، وتم تجميد 300 مليون دولار من جملة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، بسبب قضية الانفاق، قبل التوصل لاتفاق لحل تلك الازمة، وهو شراء معدات متطورة بقيمة 29 مليون دولار للمراقبة والعمل على تدمير الانفاق.

تعديل laquo;كامب ديفيدraquo;
وابرمت مصر اتفاقا جديدا (بروتكول) ملحقا باتفاقيات كامب ديفيد مع اسرائيل يسمح بزيادة قوات الشرطة المصرية في المنطقة (أ) الى 750 جنديا يتولون حراسة الشريط الحدودي بين مصر وغزة وساحته 14 كيلومترا.
وفي مواجهة الشكاوى الاسرائيلية المتعلقة باستمرار التهريب الذي شمل اسلحة وذخائر، نجح بدو سيناء في العثور عليها في صحراء سيناء التي شهدت الكثير من المعارك الاسرائيلية ــ المصرية، اكدت مصر ان هناك حاجة لتعديل جديد في الاتفاقيات يسمح بتواجد قوات اكثر لتحكم سيطرتها على الحدود، كما اكدت لاسرائيل ان للانفاق مداخل اخرى في غزة تستطيع هي كقوة احتلال ان تحكم سيطرتها عليها.

إسقاط مبادرة السلام
واذا كانت مصر قد وضحت مواقفها عبر كل وسائل الاعلام في تفاوض مفتوح، فانها وجدت ايضا ان مؤتمر الدوحة لن يكتفي بمحاكمة السياسة المصرية واتفاقيات laquo;كامب ديفيدraquo;، وانما الى سحب المبادرة العربية للسلام. وبالتالي فقدان السقف السياسي العربي المعتدل وضياع المبادرة السياسية الوحيدة التي مكنت العرب من التحرك على صعيد الصراع مع اسرائيل، وايجاد حالة فراغ ستجعل العرب يبحثون فيما بعد عن مبادرات أخرى لملء هذا الفراغ. واعترضت القاهرة على وجود افكار لازدواجية التمثيل الفلسطيني في قمة الدوحة في ظل اخبار عن مشاركة حركة حماس إلى جانب الرئاسة الفلسطينية، وهي سابقة خطيرة تغير من قواعد عمل القمم العربية.

التنسيق مع السعودية والكويت
في المقابل، وجدت القاهرة انه من الاجدى متابعة التنسيق مع السعودية، صاحبة مبادرة السلام العربية، والكويت التي ستستضيف بعد يومين القمة الاقتصادية، وذلك من اجل ايجاد أجواء هادئة للتشاور والاجتماع على هامش القمة الاقتصادية من اجل الخروج بقرارات قابلة للتنفيذ وتساعد الشعب الفلسطيني. يذكر أن المبادرة المصرية قد حظيت بقبول ودعم دولي، لكي تصبح آلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن، وإذا لم تنفذ فالأجدى العودة إلى مجلس الامن لاصدار قرار جديد يستند إلى الفصل السابع لفتح مجالات لعقاب إسرائيل.
وسط هذه الأجواء المشحونة وحالة الاستقطاب العربي، وجدت القاهرة ان مشاركتها في قمة الدوحة تحمل الكثير من مخاطر ازدياد الانقسام، بعد ان تكفلت الصحف والفضائيات في شحن الاجواء وزيادة حدة الانقسام العربي، واصبحت مهمة توحيد الموقف العربي تحتاج إلى معجزة، ليست بأقل من معجزة ايقاف العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني الآن وبسرعة!