تسجيل بعض الإيجابيات بعد 8 سنوات من حكم الرئيس الجمهوري

فادي مطر

بعد ثماني سنوات من حكم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جورج بوش، التي تميزت بحركية كبيرة في العمل العسكري والدبلوماسي الخارجي، قد يجد الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما نفسه مضطراً إلى الانكفاء قليلاً نحو الداخل، والعمل على حل أبرز المشاكل التي تعصف بالولايات المتحدة والعالم.

غادر الرئيس الأميركي الجمهوري جورج بوش البيت الأبيض امس، مخلفاً وراءه عالماً مليئاً بالمشاكل والأزمات على مختلف الصعد، وفي نظرة سريعة على ابرز الملفات التي شغلت العالم خلال ثماني سنوات من حكم بوش وإدارته الجمهورية، نجد ان الأزمات لا تزال تعصف بالعالم بدءاً من طهران مروراً ببغداد وموسكو ووصولاً الى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولعل الأزمة المالية، التي ضربت كل الأسواق العالمية، مطيحة بملايين الوظائف والشركات الكبرى، هي اسوأ الأزمات التي تهدد سكان العالم جميعاً، كما انها شكلت الرافعة الكبيرة التي اوصلت الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما الى البيت الأبيض.

أما على صعيد جبهات القتال الأميركي في الخارج، فقد تحسن الوضع الأمني في العراق بشكل ملحوظ بعد اقرار خطة الزيادة العسكرية، رغم بعض الخروقات التي تُسجَّل من حين الى آخر.

من جهة اخرى، لا يزال الوضع في افغانستان متوتراً مع اشتداد عود حركة طالبان من جديد، الأمر الذي دفع بالرئيس الجديد الى اعتبار الجبهة الأفغانية، الجبهة الأساسية في الحرب على الإرهاب، وإعلان نيته إرسال تعزيزات عسكرية قوامها ثلاثون الف جندي اميركي إضافي إلى هناك خلال العام الحالي. أما على صعيد الأمن الداخلي الأميركي فيُسجَّل لإدارة بوش ان الولايات المتحدة لم تتعرض لأي اعتداء خارجي بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر الكارثية.

الوضع العراقي

ولكن وعلى الرغم من تلك المساوئ كلها، تفرض عدة اسئلة نفسها على الواقع المعاش، فماذا لو انقضت سنوات حكم جورج بوش الثماني، وكان العراق لا يزال يرزح تحت نير حكم الطاغية صدام حسين، يُقتل ويُذبح ويُسجن ابناؤه بصمت، من دون ان يُرفع اي صوت من اي جهة كانت لنُصرته ونجدته. كما بات العراق اليوم اكثر أمناً بعد تنفيذ خطة الزيادة العسكرية الأميركية وتسلمت القوى الأمنية العراقية الجديدة الملف الأمني في معظم محافظات البلاد من القوات الأميركية والبريطانية التي بدأت تمهّد للرحيل بعد انهاء مهمتها، ساحبة الذريعة من بين ايدي laquo;المقاومينraquo; الذين ادعوا الدفاع عن بلادهم بمواجهة laquo;قوى الاحتلالraquo;.

صحيح ان الشعب العراقي يعاني الانقسامات الطائفية والعرقية الحادة اليوم، وهذا طبيعي بسبب تنوع مكوناته، لكنه تمكّن في اكثر من مناسبة من ممارسة حقه في الاقتراع لاختيار من يتولى ادارة شؤونه، وغابت بالتالي نسبت الـ 99،99 في المئة التي لطالما تغنّى بها النظام السابق.

الحرب على الإرهاب

ماذا لو انقضت ثماني سنوات من عمر اي ادارة اميركية في القرن الـ21 وحركة طالبان لا تزال تحكم أفغانستان؟

فعلى الرغم من التقصير الفاضح لحكومة حامد كرزاي في إدارة شؤون البلاد، واستشراء الفساد في مفاصلها، وفشلها الذريع في بسط سيطرتها على امتداد الأراضي الأفغانية، يبقى الأهم هو ان الشعب الأفغاني استطاع وضع رجليه في بداية طريق الديمقراطية، وتمكّن من ابداء رأيه عبر المشاركة في الانتخابات، كما اُتيح العلم للفتيات اللواتي كنّ محرومات من هذا الحق الطبيعي الذي تمنحهنّ إياه شرعة حقوق الإنسان، في ظل حكم laquo;طالبانraquo;.

الملف اللبناني

كذلك نتساءل، ماذا لو انقضت هذه السنوات الثماني، التي أتت في صدر القرن الواحد والعشرين، وكان الجيش السوري لا يزال متمركزاً في لبنان؟ والقرار اللبناني لا يزال رهينة لدى ضابط مخابرات سوري صغير يتحكّم في البلاد ورقاب العباد؟

فبعد 30 سنة من تناسي البيت الأبيض للمشكلة اللبنانية، وتلزيمها للمتعهد السوري، تقدم الملف اللبناني الى مراتب متقدمة جداً على الأجندة الأميركية في عهد بوش.

كما تولدت ارادة دولية طالبت بإنهاء الوصاية السورية على لبنان، لاقاها الشعب اللبناني بتحركات سياسية وشعبية بدأت خجولة، وتفجّرت بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.

لا شك ان لبنان يضم مجموعات كبيرة تدين بالولاء لسورية، وذلك لاعتبارات عديدة بعضها عقائدي وبعضها الآخر مصلحي، لكن أكثريّة الشعب اللبناني برهنت في اكثر من مناسبة على انها تريد ان تعيش حرّة في بلد سيّد ومستقل، لطالما شكّل تاريخياً منارة حرّة في ظلمة ديكتاتوريات المنطقة المحيطة به.

برحيل بوش تنتقل الشماعة التي لطالما استخدمتها laquo;دول وقوى الممانعة والمقاومةraquo; في منطقتنا لتعليق فشلها وإخفاقاتها عليها من واشنطن الى تكساس، مؤقتاً على الأقل، فربما يتحول باراك اوباما هو الآخر الى شماعة جديدة إن خيّب آمال الممانعين الذين استبشروا خيراً بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية.