عبد الرحمن الراشد

أمضى وزراء الخارجية العربية يومهم أمس يحاولون التوصل إلى صياغة بيان قمة الكويت. كان بإمكانهم أن يكتبوه في دقائق، حيث لم تعد هناك خلافات تستوجب كل هذا الوقت والركض لكتابة بيان، عادة لن يقرأه أحد غير موظفيهم. تنازعوا على الكلمة والفاصلة والنقطة. إلا أن مناخ المؤتمر لم يعد يغفر للجدل، حيث أصبحت كل الاختلافات صغيرة، بعد أن أذاب الملك عبد الله بن عبد العزيز جبل الجليد، يوم أعلن عن نهاية الخلافات متطوعا.. سأبدأ بنفسي.
حيّاً على الهواء، شاهد العالم العربي كيف فاجأ الملك عبد الله الجميع، يعلن أنه يرفض السير في ركاب المعارك العربية، وطالب الزعماء جميعا أن يفعلوا الشيء نفسه. فاجأ الملك العرب، ليس لأنه رفض الخلافات فقط، بل لأنه أيضا وقف أمام الجميع وقال (نحن على خطأ)، وليس كما جرت العادة في الخطاب العربي، (أنتم على خطأ ونحن على حق). اعتراف ليس سهلا على أحد من الزعماء، أن يقف ويقر به. بذلك وضع القادة أمام ملايين من مواطنيهم ليمتحنوا شجاعتهم أمام شجاعته، وصار عليهم، إما أن يقتدوا بالرجل الكبير، الذي رفض التقاتل وطالب بالتوحد، أو أن يواجهوا شعوبهم. عمليا حدثت مواجهة الشعوب العربية، وليس مع الملك، لتنتهي كما أرادها الملك عبد الله بالمصالحة بعد أقل من ساعة من كلمته، حيث لحقوا به في مقر ضيافته في قصر بيان، ودارت فناجين القهوة بين القادة، الذين خرجوا بغير ما جاءوا به من استعداد للمزيد من المعارك، خرجوا واعدين بالتعاون والتصالح. مصالحة يراد منها للمواطن العربي أدنى حقوقه بحقن دمه، وحفظ كرامته، ودعم قضيته.
دراما غزة في قمة الكويت ألقت بظلالها على المناسبة التي صممت لتكون أهم قمة عربية في خمسين عاما، لأنها خصصت لإعلان بناء اقتصادي عربي طويل المدى. فيها أفكار، لو تحققت، لتغيرت منطقتنا، تخدم أكثر من مائتي مليون عربي، لمحاربة كوارث المنطقة الدائمة، من مجاعة وأمراض وبطالة.
بكل أسف أكل وزراء الخارجية الوقت والجهد والاهتمام من مائدة وزراء الاقتصاد والتنمية العرب الذين خصصت القمة أصلا لهم، فلم يكن في حسبان مخططي قمة الكويت قبل نحو عامين عندما تم الاتفاق عليها، وبدأوا العمل على أفكارها، أن الدول العربية ستصل إلى القمة ذليلة مهزومة متناحرة. وبالتالي جاء وزراء الخارجية للتصدي للوضع، كل وفق رأيه وسياسة بلاده. ولحسن الحظ، وعلى الرغم من سوء الطالع، فإن قمة الكويت انتهت نهاية سعيدة بعد أشهر حزينة ودامية.
ومع أنها حقنت الدم العربي العربي، وهو مكسب يحتسب للكويت، إلا أن شعارها ببناء اقتصاد عربي متكامل يخدم الإنسان العربي، يخشى أنه سقط في وحل السياسة مرة عاشرة. فالانشغال المستمر بخلافات السياسة يكشف جهل الحكومات العربية بخطورة التهديدات الاقتصادية.