خيرالله خيرالله

يدخل باراك أوباما البيت الأبيض فيما الولايات المتحدة تعاني من أزمة اقتصادية لا سابق لها في التاريخ الحديث. إنها أسوأ من الأزمة الكبرى ذات الطابع التاريخي التي عانت منها أميركا في العامين 1929 و1930 من القرن الماضي. كان كافياً لكل من زار أي مدينة أميركية في الأشهر الثلاثة الماضية السير في الشارع أو دخول أي مخزن كبير لإدراك مدى عمق الأزمة الاقتصادية التي ضربت القوة العظمى الوحيدة في العالم. لا وجود سوى لبائعين من دون زبائن في المخازن، ولا حديث لدى المواطن العادي سوى عن الأزمة. ملايين الأميركيين خسروا مدخراتهم وما يضمنون به شيخوختهم. ملايين الأميركيين صاروا مضطرين للعمل طول حياتهم، أي إلى اليوم الذي لا يعودون فيه قادرين على الحركة. تغيّرت أميركا جذرياً. هذا ما يفترض أن يدركه العرب وأن يدركوا أبعاده. فَقَدَ المواطن الأميركي القدرة على الابتسام. وجد الأميركي نفسه بين ليلة وضحاها في مواجهة مستقبل مجهول لا مكان فيه سوى لعلامات الاستفهام.
كم هي ثقيلة تركة جورج بوش الأبن على الأميركي العادي الذي اختار الانتقام من الرئيس السابق ومن السنوات الثماني التي أمضاها في البيت الأبيض عن طريق التصويت لباراك أوباما. كانت المعركة الانتخابية بين جورج بوش الأبن، بكل ما يمثله من مآسٍ حلّت بالأميركيين، من جهة وباراك أوباما الذي جسّد ولا يزال يجسد الأمل. لم يكن المرشح الجمهوري جون ماكين سوى ضحية من ضحايا المعركة التي عكست رغبة واضحة لدى ما يسمى quot;أميركا العميقةquot; في التخلص من كل ما له علاقة بجورج بوش الأبن. إنها quot;أميركا العميقةquot; نفسها التي خذلت جيمي كارتر في أواخر العام 1979 وانتخبت رونالد ريغان رئيساً بديلاً بعدما أظهر كارتر ضعفاً ليس بعده ضعف في مواجهة أزمة الرهائن في السفارة الأميركية في طهران.
ليس سرّاً أن أوباما سيركّز على الوضع الداخلي الأميركي، وقد أكد ذلك مراراً في الأيام القليلة الماضية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه يدرك تماماً خطورة ما يتعرض له الاقتصاد الأميركي. لكن تركة جورج بوش الأبن تشمل في الوقت ذاته حربين لم تكتمل فصولهما بعد في أفغانستان والعراق، ومخاطر من مزيد من التدهور يطرأ على الوضع الداخلي في باكستان التي يتبين يوماً بعد يوم أنها القاعدة الخلفية لـquot;القاعدةquot;. كذلك يترك جورج بوش الأبن الشرق الأوسط في حال من اللاتوازن تسبب بها إخراج العراق من المنظومة العربية، أقله موقتاً من جهة، وغياب الحل في فلسطين من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك كله، في طبيعة الحال، النتائج التي ستترتب على الأزمة الاقتصادية الأميركية والعالمية والتي طالت أسعار النفط. الأكيد أن دولة مثل إيران، تطمح إلى تطوير برنامجها النووي وتمتلك مشروعها الأقليمي الخاص، ستتأثر إلى حد كبير بهبوط أسعار النفط هي التي استخدمت البترو- دولار في تعزيز نفوذها في العراق ولبنان وفلسطين وداخل سوريا نفسها.
على هذه الخلفية، خلفية وصول الإدارة الأميركية الجديدة والأزمة الاقتصادية التي لا سابق لها في تاريخ الولايات المتحدة والحربين غير المنتهيتين في أفغانستان والعراق والطموحات الإيرانية ونار غزة التي لم تنطفئ بعد، انعقدت قمة الكويت الاقتصادية برئاسة أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد الصباح. كان توقيت القمة مناسباً في ضوء الحاجة إلى بحث عربي جدي في كيفية اتخاذ موقف موحد من كل ما من شأنه رفض تكريس الخلل الذي طرأ على التوازن الاقليمي والعمل على استعادة هذا التوازن وحماية المستقبل العربي من الأخطار المحدقة به، على رأسها الاحتلال الإسرائيلي. لذلك، كانت اللهجة المعتمدة في قرارات القمة في غاية الحكمة نظراً إلى أنها سعت إلى حماية غزة من الأسوأ، كما أكدت أن مستقبل المنطقة واستقرارها مرتبطان بالسلام والعمل من أجله بدل ترك إيران تستخدم أوراقها الأقليمية لإثبات أن الأمن الأقليمي مرتبط بتلبية مصالحها، وأنها على استعداد للتضحية بكل اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين من أجل تحقيق ما تهدف إليه.
كانت قمة الكويت الاقتصادية خطوة على طريق حماية المستقبل العربي كي لا يعلو صوت فوق صوت التنمية. تبقى العبرة في تنفيذ ما اتفق عليه بالنسبة إلى الجانب الاقتصادي وحتى التربوي، أي البرامج التعليمية. أما الجانب السياسي، فإنه متروك إلى قدرة العرب على التعاطي مع المعطيات الاقليمية والدولية بعيداً عن الشعارات الفارغة التي تستعاد الآن والتي أوصلت إلى هزيمة العام 1967. لا تشبه خطابات السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـquot;حماسquot; سوى خطابات الراحل أحمد الشقيري التي كانت جزءاً لا يتجزأ من هزيمة 1967!
الأكيد أن الكثير سيعتمد على كيفية تعاطي إدارة أوباما مع شؤون المنطقة. هل ستسمح الأزمة الاقتصادية لها بالاهتمام جدياً في الشرق الأوسط؟ ذلك هو السؤال الكبير. إنه السؤال الذي يهم العرب الذين يفترض بهم أن يكونوا مستعدين لمواجهة العالم الجديد الذي أوجدته إدارة بوش الأبن. في النهاية، لن يصطلح العالم في غياب إدارة أميركية قادرة على إصلاح أخطاء إدارة بوش الأبن، أكان ذلك على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي. تكمن أهمية قمة الكويت التي أتخذت قرارات حكيمة مستمدة من حكمة الشيخ صباح الأحمد في أنها أظهرت أن العرب ليسوا دعاة حروب، وليسوا على استعداد لأن يكونوا أدوات لدى إيران وغير إيران كما حال quot;حماسquot;، بل على العكس من ذلك. إنهم دعاة سلام على استعداد لملاقاة الإدارة الأميركية الجديدة عند منتصف الطريق في حال اتخاذها قراراً جدياً بالعمل من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط وعدم ترك المنطقة للعدوانية الإسرائيلية والأطماع الإيرانية! عبر قمة الكويت أدى العرب واجبهم. يكفي أنهم رفضوا الاستمرار في الانزلاق إلى ما هو أسوأ من المأساة الراهنة، بل سعوا إلى وضع حدّ لها.