عبدالله العوضي

بعيداً عن كل هوامش الخلافات أو الاختلافات، فإن السياسة التي فشلت في قمة quot;الدوحةquot; التشاورية، كانت الخافضة، إلا أن القمة الاقتصاية الأولى كانت بالمقابل هي الرافعة الحقيقية للأزمة التي اندلعت مع اندلاع الحرب الظالمة على غزة.

إذا كانت السياسة هي المفرقة بين الأشقاء العرب فما المانع من التمسك بتلابيب الاقتصاد والبحث عن حصاده الذي لن يترك أحداً إلا مستفيداً بصورة أو بأخرى. لماذا نسمح لأنف السياسة بالتدخل في مشاريع الطرق والكهرباء والمياه والأسواق المشتركة والأمن الغذائي وغير ذلك من المواضيع التي يمكن التعويل عليها بعيداً عن صداع وتصدع ساس ويسوس ومشتقاتها.

فإذا لم يستطع العرب الاتفاق على الحد الأدنى من السياسات تجاه القضايا المختلف عليها، فإنه من الواجب في هذه المرحلة أن يتفق العرب على الحد الأدنى ولو عن طريق استخدام الرافعة الخاصة بالاقتصاد.

هل يعقل التسليم بأن خيارات العرب في التعامل بينهم قد ضاقت ووصلت إلى المنطقة quot;الرماديةquot; أو وقفت عند اللونين الأسود والأبيض فقط، في حين أن العالم أجمع يتعامل مع القضايا الساخنة والباردة بكل درجات الغليان والتجمد في آن واحد. أي بمعنى أن العالم أيضاً أصبح يتعامل معنا ومع غيرنا وفق منظومة تعدد الألوان.

فإذا أراد العرب أن تسوى شؤونهم وتصلح ذات بينهم فلابد من قطع أنف السياسة المدمرة أو على أقل تقدير القيام بوسم خرطومها الذي يتعدى أحياناً حدود المعقول في خلط الأوراق السياسية التي لم نعد نتفق عليها وعلى رأسها قضية فلسطين التي خفضت من حجم توقعاتها في قمة الكويت.

ولو بسّطنا الأمر أكثر وتمثلنا العرب بأسرة مكونة من زوجين وعدد كبير من الأبناء هم الشعب العربي بافتراض أن هناك خلافاً مستعصياً بين الزوجين وأنهما يريدان الانفصال أو الطلاق البائن إلا أنهما من أجل مصلحة الأبناء لا يريدان الفراق ولا إطلاع الأبناء على نوعية الخلاف الذي بينهما، أليس بالإمكان استمرار الحياة الزوجية مع استمرار المصالح الآنية للأولاد من تعليم وإكساء وتربية وتطبيب وتوظيف وما إلى ذلك من الضرورات الملحة لكل فرد من أفراد الأسرة العربية.

أو بمعنى آخر ألا يمكن التعاون في بناء مصنع مشترك بعيداً عن المشتركات في اللغة والتاريخ والجغرافيا والتراث وغيرها مما نتغنى به في الخطب والمناسبات الرسمية ونضع بديلاً له عبارة عن رأس مال من دولة غنية وأرض في دولة أخرى وعمالة من دولة ثالثة وتقنية من دولة رابعة.. الخ.

ألا يمكن إتمام مثل هذا المصنع والاستفادة من إنتاجه لصالح الكل وفق القوانين والأعراف الاقتصادية المعروفة، إذا كان هذا بالإمكان فهل نجعل من السياسة الخافضة مبرراً لوقف معاش وإعاشة الشعب العربي من المحيط إلى المحيط؟

ومع ذلك، إذا كان هذا الأسلوب صعب المنال والتحقيق على أرض الواقع العربي فإن أمامنا تجارب لدول متقدمة من العالم الأول والثاني تقضي مصالحها الذاتية بطرق مختلفة دون أن تكون عضواً في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حلف quot;الناتوquot; أو أي تحالف سياسي أو اقتصادي آخر، وتتخذ قراراتها منفصلة عن كل الدول المنافسة الأخرى دون أن تشارك في إشعال حرب هنا أو فتنة هناك.

ألا توجد دول عربية قادرة أن تعيش وفق منظومة فريدة تدير شؤونها الذاتية بطريقة لا تثير صديقاً ولا تغيظ عدواً، أليست السياسة الحكيمة هي في فن الممكن والعمل على قهر المستحيل، إذن فليجرب بعض العرب هذا التحدي لأنه في كل الأحوال أهون من الهوان الذي تعيشه الأمة في هذه المرحلة المتعبة.