خالد عبدالله المشوح

تشكل الفتوى أحد المؤشرات الأساسية في التغيرات والإشكالات الطارئة على المجتمعات المسلمة ومن خلالها يمكن قياس الرأي العام تجاه المستجدات الحضارية من الناحية الشرعية ، ونتيجة ارتباط الفتوى بالمفتي من حيث الخلفية الشرعية والذهنية وأهمية الارتباط الزماني والمكاني للفتوى ومعرفة حال المستفتي بالإضافة إلى معرفة أصول الفقه التي أسس لها الإمام الشافعي 820 م 204هـ هذا الارتباط أضاف للفتوى مزيداً من الانضباط في وقته ولكون الفتوى محركاً أساسياً لدى المسلمين في السلم والحرب والحياة والموت والأسرة والميراث فقد كانت تحظى بنوع من التجديد المستمر نتيجة التغيرات الطارئة على المجتمعات ، ومن هذا المنطلق كان لدى المسلمين عدة مذاهب بقي منها المذاهب الأربعة الشهيرة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وبقيت هذه المذاهب الأربعة في حياة أصحابها، كانت خاضعة للتغيرات وفق سياقها الزماني والمكاني ولا أدل من وجود رأيين في بعض المسائل للإمام ذاته.
إلا أنها (أي الفتوى) نالت نوعا من القداسة عقب موت الأئمة لتأخذ طابعاً مقدساً أودى بالأمة إلى خلافات وحروب وفتاوى متبادلة لا يمكن تصديقها بدأت منذ 350هـ إلى 650هـ ! ولعل بروز نجم شيخ الإسلام ابن تيمية كان بالدرجة الأولى لخروجه عن النسق العام في التمذهب والتعصب، ومازالت الفتوى إلى اليوم هي العامل المؤثر الأول في حياة المسلمين. لكن وبرغم هذه الأهمية الكبيرة للفتوى والمنشغلين بها الذين هم الفقهاء ومدى تأثيرهم وتأثرهم في نفس الوقت، إلا أنها لم تنل النصيب الكافي من الدراسة والبحث كما لم ينل الفقهاء نصيبهم في التشاور في محاور الفتوى!
الفتوى اليوم طرأت عليها متغيرات كبيرة لعل من أهمها الانتشار الفضائي الذي يعد من أكبر الإشكالات التي تعصف بالفتوى! فالفتوى في أساسها شكوى حال بين المستفتي والمفتي يُقدر المفتي هذه الحالة وفق ما يملكه من أمور الشريعة ليعطي بذلك الفتوى التي تكتمل صياغتها عند معرفة حال المستفتي لكون المفتي موقعاً عن رب العالمين في فتواه التي هي بالدرجة الأولى للسائل وليست للبقية.
المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها الذي انعقد الأسبوع الماضي محاولة جادة للدخول بالفتوى إلى حقبة جديدة تتناسب والمتغيرات الكبيرة الطارئة اليوم وتنتشلها من قفص التسرع والاتهام إلى الوسطية والاعتدال من خلال الأسماء الكبيرة التي تم حشدها بشكل كبير ومتنوع يضفي على المؤتمر صفة العالمية لاسيما وأن توصياته ركزت على بعض المواضيع الهامة.
وكنت أتمنى لو خرج المؤتمرون بقرار عملي بإنشاء معهد للفتوى يلحق برابطة العالم الإسلامي (مثلا) ويلتحق فيه خريج الشريعة المنشغل بالفتوى لدراسة بعض العلوم العصرية الإنسانية منها والتقنية لكي يكتمل العقد العلمي لدى المفتي بمعرفته الشرعية إضافة إلى ما لم يدركه الدارس في الشريعة من نقص في بعض العلوم الضرورية الحديثة وهو ما يمكن أن نسميه إعادة تأهيل أسوة بباقي الوظائف التي تتطلب اتصالاً مستمراً ويمكن أن يلحق بهذا البرنامج المنشغلون بالفتوى بشكل مباشر في الجوامع ودور الإفتاء ومراكز الدعوة إذا أردنا أن نؤسس بشكل عملي لحقبة جديدة في الفتوى.