رشيد الخيون

كلما اقترب ميعاد انتخابات مجالس المحافظات - ماعدا الكردستانية منها فقضية كركوك ما زالت حارنة - حميَ الوطيس بين القوائم، ومرشحوها أكثر من أربعة عشر ألفا، سينتخب منهم أربعمائة مرشح ويزيد. وتحول تبادل الاتهامات من لغة الإيماءات، أو laquo;إياك أعني واسمعي يا جارةraquo;، إلى المواجهات الصريحة. لم لا، وامتلاك ناصية المحافظات يقرر المصير في الانتخابات العامة. لقد غدا الخلاف صريحا وحادا بين حلفاء الأمس، حتى بدت المحاصصة المذهبية كريهة في نظر عرابيها، وأخذوا يكررون كلمات مَنْ حذر منها، وقد أخذني العجب وأنا أسمع أحد المستميتين من أجلها يتحدث عن مساوئ الطائفية ومحاسن الأكثرية العراقية! ومن الأماني أن يكون ذلك صحوة رأي وضمير، فالتاريخ لن يغفر.

أقول هذا لا متهما بخيانة العابثين بوحدة العراق، بقدر ما أراه اجتهادا خاطئا بل وقاتلا، وها هي النتيجة: هؤلاء يتقاتلون في ما بينهم من أجل واحدة من رئاسات الدولة، وأولئك يتشاحنون ويتبادلون التهم الشديدة من أجل الفوز بزعامة المحافظات. ولم أصل بعد إلى توجيه ما وجهه الشاعر مخاطبا الوطن لا الطائفة: laquo;حتى بنوك مع الدخيل عليك متحدي الأياديraquo;!

بلا أدنى شك، فإن الشعب العراقي، من سنته وشيعته وعربه وكرده وبقية أقوامه، علوي العاطفة، ليس هناك ذرة ضغينة ضد أبناء علي بن أبي طالب، وبين يديَّ أكثر من دليل على أن منزلة الحسين بن علي في سويداء القلوب كافة، ولا مكانة لشمر بن ذي الجوشن أو بقية قتلته. افتحوا كتب التاريخ السنية قبل الشيعية ستجدون قصة قتل الحسين مؤثرة، وهذا ابن جرير الطبري (ت 310هـ)، ينقلها بتفاصيل ما نسمعه من على المنبر الحسيني في العاشر من عاشوراء، وسواه من المؤرخين. أتينا على التذكير بذلك بعد تعدي التلويح باحتكار حب الحسين من الشيعة مقابل السنة إلى الطعن بمَنْ حبه من الشيعة أنفسهم، ومن أصحاب العمائم، وهم من المفروض آخر مَنْ يوجه لهم مثل هذا الاتهام، والسبب لأنهم صرحوا بتشذيب مراسم عاشوراء وتنقيتها، حبا في الحسين، من التشويه والانفعالات غير اللائقة.

وها هي قضية الحسين تدخل دعاية للانتخاب، حتى أصبح التمييز بين المحافظات بالحسينية وغير الحسينية! أو بين قائمة الحسين وقائمة يزيد بن معاوية. ولا أرى راية الحسين تُنتهك مثل استعمالها سلاحا في الخلاف، ورفعها في وجه محبيه لمقاصد انتخابية وسياسية، مع أن والده، والولد سر أبيه، قال في السلطة، وقد سئل عن قيمة النعل: laquo;والله لهي أحب إليَّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلاًraquo;(نهج البلاغة)! فأين الحق الذي أُقيم، والفساد ومحاباة ذوي القربى على أشدهما! ستقولون أنجز كذا وكذا، وأن العراقيين يعيشون الحرية! كل هذا صحيح، والتقدير لمَنْ ساهم في إزالة نظام الوحشية عن كاهل البلاد، ومَنْ حاصر الإرهاب، وأقام مشروعا صغر أم كبر، لكن لا يحجب ذلك عن الناس رؤية العمائر والقصور المشيدة بالمال الحرام، والمراكز التي شغلت بأهل الشهادات المزورة!

لهذا لو تدعون الحسين ومصيبته خارج المنافسة الانتخابية! ومثل ذلك المرجعية الدينية، وهي التي تكرر القول لا صلة لنا بكيان أو زعامة سياسية. وقد تزحزح المرجعية من منزلتها العليا في الأفئدة، وظلها الوارف على الجميع، وهي تقدم عبر نشيد أو أغنية، أو رفع الصور. أتحسبون ذاكرة الناس ممحية إلى هذا الحد، وهم المعذبون لأكثر من ثلاثين سنة بأغاني التمجيد ورفع الصور! أقول: ما معنى المقدس وقيمته إذا لم يمس الأرواح ويدخل الأفئدة تلقائيا بلا تبجيل إعلامي، ذلك لحضوره عبر علم وممارسة، لا عبر أغنية وصراخ بالشعار! أليس من تقاليد المرجعية الدينية ألا تنتخب ولا تعين ولا تظهرها بطانة! بل يحتل المرجع منزلته، بلا تدبير ولا استيراث ولا مناداة، إلا أعلميته، واعتداله.

كذلك لا يبدو التحرك إلى رؤساء العشائر، وليس إلى الناس، بأمل ضمان التصويت الجماعي، خليقا بالديمقراطية، فهناك تجارب معروفة مورست في عهد سابق وأفشلت النهج الديمقراطي، وعمقت من إيذاء الفلاحين، فمَنْ لا ينتخب على مرام الشيخ والرئيس يفرد بقولة طرفة بن العبد: laquo;... إفراد البَعير المُعَبَّدِraquo;.

أراها فرصة، لا يأتي الدهر بأختها، أن تسعى الكيانات السياسية، بعد لمسها فشل المحاصصة، إلى إرساء تقاليد انتخابية عبر برامج عملية، وإعادة النظر في الاستئثار الحزبي والعائلي بمراكز ووظائف الدولة. فمَنْ يُراجع سفارات العراق، على سبيل المثال، سيجدها محصورة بين عمومة وخؤولة! أقول: اعتدلوا، سينتخبكم الناس، ولا حاجة لكم بهتك راية الحسين والمرجعية كدعاية انتخابية، أو تطلب أصوات العشائر تحت تسمية الإسناد!