بيروت - سناء الجاك


أهل السياسة في لبنان لا يتقاعدون إلا مرغمين، لا سيما النواب الذين ما أن يدخلوا مبنى البرلمان حتى يصبحوا نجوما وأصحاب امتياز وحصانة. تدل عليهم laquo;اللوحة الزرقاءraquo; لسياراتهم كما مواكب المرافقة. إلا أن أكثر ما يطبع مسيرتهم النيابية يبقى إقبال المواطنين عليهم لمراجعتهم والطلب إليهم تسهيل بعض الخدمات المستعصية. أو بكل بساطة التقرب منهم، لأن اللبناني بصورة عامة، يحب التقرب من أصحاب المناصب وذوي النفوذ. لكن التقاعد لا بد منه. وغالبا لا يأتي عن طيب خاطر. وبعد خروج البعض منهم من البرلمان إلى الحياة العادية، وانتزاع laquo;اللوحة الزرقاءraquo; عن سياراتهم للعودة إلى صفوف عامة الشعب، قد لا يكون هذا الخروج سهلا، لاسيما بالنسبة إلى أولئك الذين يغيبون عن الذاكرة وعن المشهد السياسي.
وفي حين يقنع بعض السياسيين بأن التجربة انتهت والعودة إلى الاهتمامات الخاصة والمهنية أمر لا بد منه، نجد أن البعض الآخر يعمل وكأنه سيعود غدا إلى المجلس. laquo;الشرق الأوسطraquo; حاورت عددا من الذين حملوا صفة laquo;السابقraquo;، ووجدت أن وهج التجربة لا يزال سائدا لديهم، أيا كانت انتماءاتهم. إلا أن الصفة المشتركة بين الجميع تقريبا، كانت انتقادهم للأداء السياسي للمجلس وللحالة السياسية في البلاد. لكن الجميع بدوا، وإن لم يعترفوا، وكأنهم يريدون البقاء في معترك العمل السياسي على رغم سيئاته وعلله.

يقول النائب السابق الياس عطا الله laquo;أحاول أن أقرأ أو أطل على البستان الذي أملكه في الرميلة (جنوب بيروت). أتعامل مع شجيرات الفاكهة من قشطة ومانجو وأفوكا وأنسى الدنيا في المساحة الشاسعة للأرض التي أرعاها. فالأرض أفضل من السياسة. وفي المفاضلة لا يمكن للسياسة أن تربح وتخسر الأرض. الأرض أحلى بكثيرraquo;. ويضيف: laquo;اليوم لدي متسع لأقرأ ولأشارك في أفكار مشتركة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الوعي الاجتماعي بماهية لبنانraquo;. وينفي أن تكون الأضواء قد بدأت بالانحسار عن دوره في الحياة السياسية. ويقول: laquo;الأضواء لا تزال موجودة. أنا أهرب منها. إلا أني استطيع آخذ راحتي أكثر في الكلام. المشاعر الحادة زالت، لتصبح الفكرة أوضحraquo;.

النائب السابق إسماعيل سكرية لا يشكو من الفراغ. فهو طبيب يعمل في القطاع الصحي منذ 34 عاما. ولم يتوقف عن الاهتمام بالصحة الاجتماعية للمواطنين في منطقة بعلبك الهرمل التي كان نائبا عنها لفترات متقطعة. يقول: laquo;لم يتغير شيء. فقد كان خط عملي وعلاقته بالناس الجسر الأساسي الذي عبرت منه إلى النيابة. والعمل في الميدان الصحي والخدمات الصحية لا يتوقف على نيابة أو بغيرها. فالصحة الاجتماعية هي العمود الفقري لعملي النيابي. وقبل النيابة وخلالها وبعدها لا تزال ملفات الدواء والاستشفاء والغذاء والضمان الصحي والاجتماعي أولويات لدي وأتابعها باستمرارraquo;. ويضيف أنه يقصد منطقة بعلبك كل عطلة نهاية أسبوع لأن لديه لقاءات ثابتة مع الناس ليعالجهم ويلبي احتياجاتهم. وينتقد الذين لا يرون في النيابة إلا مركزا اجتماعيا يجب استثماره والاستفادة منه، إلا أنه لا ينكر سحر الحصانة والمنبر الإعلامي الذي يمنحه الموقع. وإن كان يعتبر أن مهنته كطبيب تمنحه حصانته إلا أنه يعترف بخسارة لنسبة ملموسة من نجومية الإعلام. ويقول: laquo;النائب كما أي إنسان آخر يحب النجوميةraquo;.

نائب laquo;حزب اللهraquo; السابق أمين شري لا يعترف بمفهوم التقاعد من العمل السياسي. يقول: laquo;منذ أن بدأت العمل السياسي عام 1992، انخرطت في إيقاعه ولم أتوقف أو أعد إلى أعمالي الخاصة. فقد سلمت مسؤولية الأعمال الخاصة إلى أشقائي وتفرغت تماما للخدمة العامة. مكتبي مفتوح منذ العام 1992 ولا يزال. فأنا انتمي إلى حزب يكرس أفراده وقتهم لخدمة المواطنينraquo;. ويرى laquo;أن العمل في الشأن العام هو شغف يتملك صاحبه ويحول دون اهتمامه بأمور أخرىraquo;. ويقول: laquo;هناك شغف يفوق ما عداه. لذا عندما انتهت ولاية المجلس الحالي في 20/6/2009 فتحت أبواب مكتبي في اليوم التالي ولا أزال.. وجودي المستمر ولّد لديهم اهتماما أكبر بتكريس الثقة التي تتجدد لأنها في الأصل ثقة بحزب اللهraquo;.

وينفي شري أن يكون قد اشتاق إلى اللوحة الزرقاء المرافقة للنيابة. يقول: laquo;في الأساس نحن في حزب الله لا نستخدم اللوحة الزرقاء لسياراتنا لأننا لا نبحث عن التميز والظهور. يكفينا أننا موجودون لخدمة الناس باسم الحزب الذي يبقى أقوى من الشخصraquo;.

النائب السابق عن زحلة سليم عون يبدأ كلامه بالقول: laquo;لم أستطع أن أعود إلى الحياة المدنية. لا نزال في التيار الوطني الحر محافظين على وتيرة العمل ذاتها، لنهتم بالخدمات والمراجعاتraquo;. ويعتبر عون أن الأعباء ازدادت بعد خروجه من الندوة البرلمانية. ويؤكد أن laquo;شيئا لم يتغير. أصبحت متفرغا أكثر للأمور الخدماتية. ولم تعد النيابة تشغلنيraquo;. عون كان قد توقف عن عمله كمهندس عندما أصبح نائبا ولم يعد إليه بعد خروجه من المجلس. يقول: laquo;كنت أريد أن أعود إلى عملي ولو بشكل جزئي، فلم أتمكن. حاولت واكتشفت أني دخلت نفقا لا استطيع أن أخرج منه. فخيار دخول المعترك السياسي يورط الإنسان فيغرق في مسؤولياته تجاه الناس الذين يلتزمون خطه وأفكاره ومبادئهraquo;. ويشير إلى أنه laquo;قبل الندوة البرلمانية كان يعطي حياته الخاصة وعمله وقتهما، إضافة إلى العمل السياسي من خلال التيار الوطني الحر. مع الدخول إلى البرلمان ازداد حجم المسؤولية والأعباء واضطررت للتخلي عن الحيز الخاص في العائلة والعمل لأتابع شؤون الناس وأشارك ولو بطريقة غير مباشرة في القرارات الوطنيةraquo;.

ومن جهة ثانية أشار إلى أنه وخلال السنوات الأربع الماضية لم يدرس موازنة للدولة. وقال: laquo;البلد يسير بشكل غير طبيعي. النواب لم يتسلموا نسخة من الموازنة التي يجب أن يراقبوها ليتمكنوا من إيلاء القطاعات الإنمائية أهمية ويحددوا سياسة الدولة. ومع الأسف يبدو أن هذا المجلس الحالي لا يختلف كثيرا عن السابقraquo;. وينفي عون أن يشكل غياب اللوحة الزرقاء عن سيارته عقدة ما لديه. يقول: laquo;لم يخالجني أي شعور بالأسف. ربما نواب سابقون كثر تتغير حياتهم بعد خروجهم من البرلمان. فالمجتمع اللبناني يحب أصحاب المواقع والمناصب. بيوت هؤلاء لا تفرغ من الزائرين والمراجعين. وعندما يصبحون خارج الشأن العام يصبحون وحيدين ويبتعد عنهم أقرب المقربين. لكن هذا الأمر لم يحصل معي كوني أنتمي إلى تيار له وجوده على الساحة وكوني تعودت أن أكون في حركة دائمة مع الناس، وبالتالي أنا لا أشعر بأني لست نائباraquo;.