صالح بكر الطيار


يطيب لبعض خبراء الاقتصاد التنظير من منطلق ان السعودية لا تستثمر بشكل جيد السياحة الدينية وأن هذا القطاع يعتبر ذا مردود عالٍ فيما لو اخذ نصيبه من الأهتمام على مستوى القطاعين العام والخاص .
ويقصدون بذلك مواسم العمرة التي باتت متاحة طيلة العام وموسم الحج الذي يشهد هذا العام اقبال 2.5 مليون حاج منهم 1.6 مليون حاج من خارج البلاد .
ويفوت هؤلاء المنظرين انه لولا الثروة التي حبا بها الله المملكة لما امكن لها ان تنفذ كل مشاريع التطوير التي قامت بها ، وأنها لا تستطيع ان تتكل من اجل ذلك على رسوم او ضرائب تتقاضاها من حجاج معروف عن اكثرهم انهم اقتصدوا جنى عمرهم لإتمام فريضة مقدسة ، وأن من غير الممكن ان تطلب من مثل هؤلاء الأشخاص دفع أي مبلغ يضاف فوق ما ينفقونه بدل النقل والسكن والغذاء . وخير دليل على ذلك الحاج الذي اقتصد منذ اكثرمن 40 سنة للقيام بواجب مقدس .
ولو اردنا احتساب ما تتكلفه الدولة قبل وخلال وبعد اتمام فريضة الحج لتبين لنا ان الكلفة باهظة جداً قياساً الى ما تقوم به حيث يتم استنفار نحو 100 الف رجل امن ، ونحو 15 الف رجل صحة ، وعشرات المستشفيات والمختبرات الطبية ، ويتم وضع خطط محكمة لتنظيم السكن والتنقل وتوفير الماء والغذاء والتغطية الإعلامية وإستضافة بعض الوفود ، وكل هذا يكلف مبالغ باهظة .
وتكفي الاشارة الى ان موسم الحج الحالي فرض على السلطات المعنية ثلاثة تحديات اولها تمثل بمخاطر انفلونزا الخنازير ، وثانيها تحديات الأرهاب ، وثالثها رغبة الحجاج الإيرانيين بتنظيم تظاهرات ومسيرات وقد امكن للسلطات المعنية ان تواجه بنجاح هذه التحديات وأن تزيل مخاطرها .
وإذا كان البعض يظن ان موسم الحج متعلق فقط بفترة وصول الحجاج ومن ثم رحيلهم بعد اتمام شعائرهم فهو مخطىء لأنه يتغافل عما وظفت الدولة من جهود وأموال لإنجاز مشاريع تطويرية في مكة المكرمة وفي المدينة بهدف ان ينجز الحجاج فريضتهم بكل يسر وراحة .
وعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد انفقت المملكة بسخاء كبير على مشاريع المشاعر المقدسة من اجل انجاح موسم الحج وتسهيل تحركات الحجيج في السنوات الخمس الاخيرة، ومن ذلك اكتمال مشروع جسر الجمرات العام الحالي ليستوعب أكثر من 300 ألف حاج للرمي كل ساعة الأمر الذي جعل اكبر مشاكل الحج وهي (زحام الجمرات) الى زوال بفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي خصص اكثر من 4.2 مليار ريال لهذا المشروع.
كما يعد مشروع قطار الحرمين الجاري العمل فيه على قدم وساق حاليًّا من ابرز المشاريع الهادفة الى تسهيل حركة تنقل الحجيج حيث سينقل 72 الف حاج كل ساعة ويربط بين مكة والمشاعر المقدسة ومن المقرر الاستفادة من 35% منه العام المقبل على أن يكتمل خلال 3 سنوات بتكلفة تصل الى 6 مليارات ريال.
فهل بعد انفاق كل التكاليف يجوز لخبير او منظر اقتصادي ان يتساءل عن مردود السياحة الدينية . وهل قادة المملكة يفتشون عن تحقيق ارباح وهم الذين اقتنعوا برحمة الله ومرضاته فسخروا من اجل ذلك كل طاقات وأمكانيات البلاد . وهل من يقوم بمثل هذا العمل ينتظر ان يحقق مردوداً مادياً قد لا يكفي لتعبيد طريق ..!!