جاسم بودي

.. وشيخة لمن لا يعلم هي عميدة احفادي ابنة السنوات الخمس. تؤنس لحظاتي ببراءتها واسئلتها الطفولية وشقاوتها التي لا تشبه شقاوة السياسيين في شيء. سألتني عن الكويت وبقائي فيها طيلة ايام العام وعن عدم سفري بشكل عام وهل الديرة حلوة وهل انا سعيد؟
وبما ان شيخة تسأل فلا بد ان اجيب.
صدقيني يا شيخة عندما اقول ان ديرتنا من اجمل بقاع الارض، وكل ما فيها يشدنا اليها ويمنعنا من السفر، واجمل ما فيها ليس الطبيعة والعمران ومقومات التسلية بل الوعي السياسي الذي جعل السلطة بجناحيها التنفيذي والتشريعي متفرغة للعمل وانجاز المشاريع الضخمة لتحقيق آمال الكويتيين.
صدقيني يا شيخة هناك امور قد لا تفهمينها الآن لكنك ستفعلين بعد 20 عاما، فالسلطة عندنا مثلا عندما ارتفعت اسعار النفط الى مستويات قياسية قبل اعوام، اغتنمت الفرصة وزرعت المشاريع طولا وعرضا في عموم البلاد. نفطية وانشائية وعمرانية واقتصادية واستثمارية وتربوية وصحية ورياضية واجتماعية، فالخير كثير والحمد لله، والادارة واعية والحمد لله، وتجاوب المواطنين مع المشاريع كبير والحمد لله.
لم يعد هناك كويتي عاطل عن العمل. لم يعد هناك كويتي ينتظر بيتا او قرضا اسكانيا، فالمدن الجديدة الحديثة التي بنيت تكفي حاجات المواطنين بل وتتعداهم الى الوافدين الذين قدّموا لهذا البلد الكثير، اضافة الى ان مراكزنا التجارية الكبيرة ومصانعنا الضخمة واسواقنا وموانئنا اصبحت قبلة للمستثمرين الدوليين، كما اصبح النفط مصدرا واحدا فقط من مصادر الدخل بعد التقدم الصناعي والتكنولوجي.
وصدقيني يا شيخة ان مستوى التعليم في الكويت لم يعد يقارن الا بالمستويات الموجودة في ارقى دول العالم، فالمناهج تعدلت وتطورت بما يماشي مقتضيات العصر، ومدارسنا الحكومية غطت على المدارس الخاصة في التفوق بمختلف اللغات وجامعاتنا باتت تستقبل طلابا اميركيين واوروبيين في اطار اتفاقات خاصة مع دولهم لتبادل المعرفة، اما laquo;وادي الحريرraquo; فانتقلت اجزاء منه الى مناطقنا الصحراوية وحولت التكنولوجيا الرمل الى حقول خضراء، فيما اختارت وكالة laquo;الناساraquo; الاميركية الكويت لاطلاق مكوك فضائي الى كواكب مجموعة laquo;الدب الاصغرraquo;.
في الصحة والخدمات لا تسألي يا شيخة، فالدول القريبة والبعيدة، الغنية والفقيرة، اعتمدت في موازناتها بنودا شاذة تحت مسمى laquo;العلاج في الخارجraquo; كي توفد مرضاها الى مستشفيات الكويت. هنا حيث تجرى اصعب العمليات الجراحية واعقدها في العالم. هنا حيث المستشفيات الحديثة التي تؤمن رعاية كاملة متكاملة بلا واسطات ولا تدخلات. هنا حيث تتألق مراكز الابحاث المتقدمة التي بهرت العالم باكتشافاتها.
وصدقيني يا شيخة فإن الاهم من ذلك كله هو الثقافة الوطنية الجامعة بين الكويتيين التي مهدت لهذه الانجازات وواكبتها، فالكويتيون على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم لا يعرفون كلمة واحدة تؤدي الى انقسام او فرقة. لا تعرف الكويت ان فلانا من الطائفة السنية او من الطائفة الشيعية. لا تعرف ان فلانا من الحضر او من البدو. لا تعرف ان فلانا من المناطق الداخلية او من المناطق الخارجية، فهذه الآفات الانقسامية التي ابتليت بها دول ومجتمعات اخرى بقيت خارج اسوار الكويت ولم تعبرها. هنا الجميع يتحدث عن ضمان الشيخوخة والتأمين الصحي ومقومات حماية الطفولة والنظام الضريبي وعن التأخر مثلا في مواكبة انجاز تعليمي او طبي او ادبي او ثقافي او فني ولد في دولة اخرى. هنا الجميع يرفض تلقائيا اي لغة طائفية او انقسامية وينبذون المتحدثين بها والذين يبدو انهم انقرضوا او خجلوا امام صورة التلاحم والتفرغ للمشاريع التنموية الضخمة التي يقوم بها الجميع من اجل احياء حاضرهم ومستقبل ابنائهم لا من اجل قتل وحدتهم وتهديم غدهم.
والاهم ايضا من الثقافة الوطنية الجامعة هو كيف تدير السلطة البلد، فالوزير الذي يخطئ يا شيخة يحاسبه رئيس الوزراء فورا ولا ينتظر ان يحاسبه النواب الذين انتخبهم الشعب او القضاء الذي يبقى درع الوطن. وصدقيني يا شيخة فإن اي وزير متقاعس او متخاذل او متورط او متغافل او مقصر لم يبق على كرسيه ثانية واحدة بعدما طورت السلطة التنفيذية ادوات المتابعة والمحاسبة. لقد اصبحنا محط انظار دول المنطقة في الشفافية وصون القانون ومحاربة الفساد. اما مجلس الامة فجميع اعضائه بلا استثناء يسهرون ليل نهار على المراقبة والتشريع بعيدا عن اي هدف انتخابي او شعبي او طائفي او قبلي او مناطقي... ولولا ذلك لما تقدمت الكويت في كل المجالات.
وصدقيني يا شيخة انه ما كان يجب ان تصدقيني عندما تحدثت عن اختيار الكويت لاطلاق مكوك فضائي، فهذه كانت مزحة. اما عن بقية ما قلته فأعانني الله (اذا مد في أعمارنا) على مواجهتك عندما تكبرين بعد عشرين عاما. يومها لن اطلب منك سوى السماح... واتمنى ان تسامحيني يا شيخة.