جاسم بودي

رغم اطلالته التلفزيونية الأولى عالمياً من خلال laquo;العربيةraquo; إلا أن المقربين من الرئيس باراك أوباما يقولون انه ما زال يبحث عن عاصمة اسلامية ليلقي فيها خطابا يضمنه رؤيته للسياسة الخارجية الاميركية، في خطوة يهدف من خلالها الى اطلاق laquo;حركة تصحيحيةraquo; للحرب الدولية ضد الارهاب عبر التركيز على ضرورة تنزيه الدين من التطرف، وابعاد التعميم عن هوية المتطرف، واشراك اصحاب القضية في معالجة احدى اخطر المسائل السياسية والامنية والاجتماعية التي تهدد كيانهم بدل فرض الحلول عليهم.
وفي موازاة هذا الهدف المركزي ستحضر بالطبع قضايا جوهرية مثل الصراع العربي الاسرائيلي وحوار الحضارات والشمال والجنوب والازمة المالية الدولية وامور الفقر والبيئة والطاقة وسباق التسلح والامن والاستقرار في العالم. ومن بين العواصم التي سيختارها اوباما تردد اسم مصر والرياض وجاكرتا وانقرة والكويت اضافة الى عواصم اخرى في آسيا وافريقيا مسقط رأس والده.
... ويا ليته يفعلها في الكويت فيختارها لاطلاق مشروع تأسيسي جديد للسياسة الخارجية الاميركية وفي الوقت نفسه يشعل الالهام للتغيير في السياسة الداخلية الكويتية.
اوباما سيخطب باسم امة مكونة من ابناء جنسيات متعددة مختلطة متداخلة جمعهم الوفاء للارض الجديدة التي احتضنتهم والولاء للدستور الذي توافقوا عليه.
وأوباما سيخطب باسم امة اظهرت ان القسم الدستوري يعني وضع المواطنة في المقام الاول، فالولاء ليس للون او الجماعة او التيار او القبيلة او مسقط الرأس او الدين او المذهب، بل الولاء هو لدولة القانون والمؤسسات.
وأوباما سيخطب باسم النهج السياسي الذي اختاره وعنوانه laquo;التغييرraquo;. لم يطلق شعارات فارغة ظرفية وانتخابية تدغدغ المشاعر بل اسس مشروعا متكاملا حشد حوله غالبية التواقين الى التغيير. صفق له الابيض وتبرع له الاسود واعطاه صوته المسيحي والمسلم واليهودي والجمهوري والديموقراطي. التقوا جميعا حول برنامج واحد ورؤية واحدة ورغبة واحدة في التغيير ولم يتجاوزوا العرق والدين فحسب بل الانتماء الحزبي نفسه.
واوباما سيخطب باسم مجتمع ما بعد 11 سبتمبر والحرب على الارهاب وسيادة الكراهية والنزاعات، سيكشف لنا اكثر انه مجتمع لم يترك لغرائزه ان تنساق وراء اللون والعرق والطائفة والمذهب، او لنكن اكثر دقة فنقول انه مجتمع تجاوز الكثير من امراض العنصرية وصهر نفسه في اطار مدني ملتفا حول مشروع سياسي اجتماعي اقتصادي. شعر الاميركيون ان حجم مكانة بلادهم في العالم ستستدعي حربا على الكراهية والعنصرية واستعادة لتفوق المبادئ على المصالح.
واوباما سيخطب معترفا بكل التاريخ العنصري من دون انكار. بكل امراض المجتمع التي انتشرت من تخلف وطبقية وتمييز، لان الحديث الدائم عنها ليس مصدر خجل او ادانة بل ضرورة للتذكير بسيئاتها وتعليم الاجيال اهمية تجنبها، وتعليمنا نحن عدم تجميل اخطائنا او اخفائها او انكارها او الدفاع عنها وتحويلها الى حسنات، فالامراض الكامنة والظاهرة فتكت بنا... والكامن فينا اكثر من الظاهر.
واوباما سيخطب عن الديموقراطية وكيف انها حصنت أمة كبيرة من زلزال انساني مرعب اسمه 11 سبتمبر او على الاقل طوقت توابعه، وهو لا يعلم ان الديموقراطية الأعرق في الخليج - اي الكويت - تؤخذ الى غرفة العناية المركزة مع كل صيحة وكل صفقة وكل ازمة وكل تصفية حساب وكل مساءلة واستجواب... هذا اذا اردنا ألاّ نتحدث عن المضادات الحيوية الدائمة والجراحات العاجلة. اشعل الاميركيون الحياة في روح الدستور من خلال تشريعات يومية واشعل الكويتيون النار في الدستور نفسه تارة بالدفاع عنه وطورا بالهجوم عليه كل من موقعه واستنادا الى مصالحه.
واوباما سيخطب عن الازمة الاقتصادية واضعا مصلحة الفقراء نصب عينيه.لا هو يرضى ان تكون خطط الانقاذ laquo;للكبار فقطraquo; ولا غالبية الاميركيين ترضى ان تخنقهم الحلول بعدما خنقتهم الازمة... ما زلنا نتحدث عن اميركا!
السيد الرئيس باراك حسين اوباما. ارجوك ارجوك افعلها في الكويت والق خطابك تحديدا في ساحة الصفاة، ففي هذا المكان دلالة تاريخية توافقية تأسيسية كبيرة يجدر بالذين ينحرفون بسفينة الخير ان يتوقفوا امامها قليلا ليتذكروا... الكثير.