صالح القلاب

قبل أيام نفى العاهل الأردني، في لقاء تم قبل أيام في الديوان الهاشمي في عمان، ضم عددا من الفعاليات الأردنية، وفقا للعادة المتبعة، ردّا على كلام بقي يقال داخليا ويتردد صداه بقوة خارجيا، وجودَ أي تخوف مما يسمى الوطن البديل، وقال إنه لن يكون للأردن أي دور في الضفة الغربية غير الدور الداعم للأشقاء في سعيهم لإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.

وتحدث الملك عبد الله الثاني في هذا اللقاء باللهجة العامية الدارجة قائلا: laquo;أنا متفائل جدّا على مستقبل بلدنا.. ومُشْ خايف من المؤامرات.. إحنا عارفين قوة الأردن وإمكانيات الأردن.. التخوف هو من الشكوك داخل المجتمع الأردني.. هذا الليّ بيخوِّفنا أكثر من أي شيء آخر.. إذا إحنا بنشتغل بروح الفريق وبنأخذ موقف قوي فإنه ما في خوفraquo;.

هذا الكلام جاء ردّا على حملة تشكيك داخلية واصل النفخ فيها عدد قليل من الكتاب، الذين يحسبون أنفسهم على ما يسمى تحالف الممانعة، والذين دأبوا على الترويج سابقا ولاحقا لمقولة: إن عملية السلام قد انتهت، وإن منظمة التحرير قد فشلت، وإن السلطة الوطنية لم تعد قائمة، وإن انحياز المجتمع الإسرائيلي نحو المزيد من التطرف واليمينية يجب أن يدفع العرب المعتدلين إلى التخلي عن اعتدالهم، ويلتحقوا بإيران وسورية وحزب الله وحركة حماس.

وبالطبع فإن هؤلاء ومعهم بعض متقاعدي النضال الفلسطيني، من خارج أُطر الثورة الفلسطينية، قد استغلوا الأجواء التشاؤمية التي سادت بعد مذبحة حرب غزة، والتي ازدادت ظلامية وفقدان أمل بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وأخذوا يروجون لوجهة النظر التي تقول إن حلّ الدولتين، أي دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، إلى جانب الدولة الإسرائيلية القائمة، قد انتهى، وإن البديل هو laquo;الخيار الأردنيraquo; وهو laquo;الوطن البديلraquo;، وإن الإدارة الأميركية الجديدة، إدارة الرئيس باراك أوباما، ستجد نفسها في ضوء انشغالها بالقضايا الملتهبة الأخرى مجبرة على التسليم بالأمر الواقع، والموافقة على ما يريده الإسرائيليون بعد هذه الانتخابات الأخيرة.

وكان المروجون لحكاية أن خيار الدولتين قد انتهى وأنه لا بد من طيّ صفحة العملية السلمية والتخلي عن مبادرة السلام العربية، والقفز من مركب laquo;الاعتدالraquo; إلى مركب laquo;الممانعة والمقاومةraquo;، قد استخدموا ما كان كتبه المندوب الأميركي السابق إلى الأمم المتحدة جون بولتون حول هذه المسألة استخداما تعسفيا، واعتبروه يمثل رأي الولايات المتحدة. وذلك رغم أن الإدارة الجديدة، كما هي الإدارة القديمة الراحلة، واصلت تمسكها بخيار الدولتين هذا، وكانت آخر التصريحات المتعلقة بهذه القضية قد صدرت من قِبل أعلى المستويات قبل ثلاثة أيام فقط.

كان جون بولتون، الذي غادر موقعه ورحل مع رحيل الإدارة الجمهورية السابقة، والذي قد لا يعود إلى العمل السياسي على الإطلاق، قد طرح في مجال الترويج لكتاب له بهذا الخصوص بعد أن تحدث مطولا عن استحالة حل الدولتين، أي الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية، ضرورة التوجه نحو خيار الدول الثلاث، أي الدولة الأردنية والدولة المصرية والدولة الإسرائيلية، على أساس ضم الضفة الغربية إلى الأردن، وضم قطاع غزة إلى مصر.

وفي مجال تسويق هذا الطرح، الذي يختلف مع وجهة نظر الإدارة الجمهورية السابقة، حيث بقي الرئيس جورج بوش يصر على حل الدولتين، وأوصى الإدارة الجديدة بضرورة التمسك به حتى إنجازه، قال بولتون إنه لا يمكن تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية والمعاشية في ضوء عدم إمكانية إقامة دولتهم المستقلة إلا بإلحاق الضفة الغربية بالأردن وإلحاق غزة بمصر. وحقيقة إن وجهة نظر هذا المسؤول الأميركي السابق تلتقي في جوانب كثيرة مع وجهة نظر بنيامين نتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والفرق هو أن نتنياهو لم يتطرق لخيار الدول الثلاث، وأنه أكد على أن مفاوضاته المستقبلية مع الفلسطينيين ستتركز على الجوانب الاقتصادية، وأنها لن تتطرق إطلاقا إلى مسألة الدولة المستقلة.

وعودة إلى ما كان قاله العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين في لقاء الديوان الملكي المشار إليه، الذي جرى قبل أيام قليلة، فإننا نجد كلاما يقال ولأول مرة، إنْ أردنيا وإنْ فلسطينيا وعربيا، وهو: laquo;إن عدم إنهاء الصراع على أساس حل الدولتين يشكل تهديدا لإسرائيل، فعدد العرب سيصل إلى نحو خمسين في المائة من سكان الدولة الإسرائيلية، ولهذا فإن هذه الدولة هي التي تحت الضغط اليوم وليس الدولة الهاشميةraquo;.

وهنا فإنه لا بد من الإشارة، وفقا لمقال نشرته إحدى الصحف العربية لكاتب مختص في الشؤون الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل تفقد نحو عشرين ألف يهودي سنويا بسبب الهجرة المعاكسة، وأن عرب عام 1948 سيشكلون في عام 2020 ثلث عدد سكان هذه الدولة، وأن هؤلاء العرب ومعهم أهل الضفة الغربية سيشكلون قريبا نحو ثمانية وخمسين في المائة من عدد سكان الدولة العبرية.

ولذلك فإن كل ما ينعق به غربان الشؤم، إنْ لجهة الخيار الأردني وإنْ لجهة الوطن البديل، غير وارد. وهو غير ممكن حتى وإن أراده اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي فاز في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وعمل من أجله، فالشعب الفلسطيني رغم ظروف البطش والقمع والحصار التي سادت في كل أعوام هذا العقد من القرن الحادي والعشرين الحالي، وفي الأعوام التي سبقتها، أثبت أنه متمسك بأرضه وأنه لن يكرر مأساة ما جرى في عام 1948 وفي عام 1967، وأنه مُصرّ على إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

ثم إن عالم اليوم هو غير عالم الأمس، فإسرائيل لم تعد قادرة على فعل كل ما تريده، وهي لن تستطيع تهجير لا عرب عام 1948 ولا فلسطينيي الضفة الغربية، إذ إن هناك، بالإضافة إلى تجذر هؤلاء في تراب وطنهم وتمسكهم بأرضهم، المجتمع الدولي الذي لا يجوز النظر إليه من الزاوية التآمرية القديمة، والذي كما أنه رفض سياسة التهجير في البلقان وغير البلقان وتصدى لها بالقوة، فإنه لا يمكن أن يقبل بسياسة تهجير جديدة في فلسطين.

وهكذا فإنه لم يعد أمام الإسرائيليين، بيمينهم ويسارهم ومتطرفيهم ومعتدليهم، إلا أحد الخيارين التاليين: فإما القبول بدولة واحدة ثنائية القومية والدين على كل أرض فلسطين التاريخية، وإلا فإنه لا خيار إلا خيار دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

إنه لا يوجد أي خيار آخر غير أحد هذين الخيارين، فالشعب الفلسطيني شعب مناضل متمسك بأرضه ولا يمكن أن يقبل بأي وطن غير وطنه الذي لا وطن له غيره، ولا بأي دولة إلا بالدولة التي سيقيمها في هذا الوطن، ولذلك فإن أخطر ما يمكن أن يتعرض له الفلسطينيون هو هذا الذي ينعق به غربان الشؤم وهو القضاء على منظمة التحرير، وهو تحويل غزة إلى الدولة الفلسطينية المنشودة، وهو أيضا التخلي عن العملية السلمية وإراحة الإسرائيليين من همها وإسقاط عملية السلام العربية، وكل هذا مع عدم وجود البديل العسكري المطلوب، لا الآن ولا في المدى المنظور.