علي حماده

في الحديث الذي ادلى به الرئيس السوري بشار الاسد ايجابيات، وان تكن معدودة، اهمها انه يعترف بارتكاب سوريا اخطاء في خلال مرحلة وجودها في لبنان من خلال بنائها علاقات والغرق في التفاصيل اللبنانية وتوزيع الحصص، مشيراً الى اخطاء في صياغة العلاقة بين البلدين وتراكم الاخطاء لتبرز مفاعيلها في النهاية...
اعتراف الاسد الابن هذا الذي يأتي متزامناً مع الاعلان عن تعيين اول سفير سوري في لبنان، كان يمكن النظر اليه بكثير من الايجابية لولا البقية الشديدة السلبية التي ساقها ليبرز اكثر من اي وقت مضى مدى تجذّر quot;عقدة لبنانquot; التي تأبى ان تفارق عقل الحكم في سوريا.
هنا بعض السلبيات:
1 ndash; صياغة العلاقات: يشير الاسد الى ان الاخطاء سببها بناء علاقات معينة في لبنان، كأنه ينحو باللائمة على الجهات اللبنانية، او يتهم في شكل مبطن القوى التي يعتبر انها quot;خانتهquot; وساهمت في اخراجه من لبنان بالمسؤولية عن تلك المرحلة. كما ان القارئ يشعر ان الاسد يرمي تهمة ارتكاب الاخطاء على والده والفريق الذي عمل معه، متنصلاً ربما من اخطاء ارتكبها بعدما ورث الرئاسة عن والده عام 2000، وهي لا تقل عما ارتكب قبل تلك الفترة.
2 ndash; المعتقلون والمفقودون: لم يحصل تقدم على مستوى هذا الملف، بمعنى ان الاسد يحيل الامر على اللجان، في حين ان الامر يتطلب قراراً سورياً شجاعاً بترك من بقي في الاعتقال، وبالكشف عن مصير من فقدوا ومعظمهم كان في عهدة المخابرات السورية على فترات طويلة.
3 ndash; القرار 1559: بقوله ان سوريا لم تخسر لبنان بسبب التمديد او القرار 1559 الذي كان معلّباً وجاهزاً باشراف الرئيسين الاميركي والفرنسي، بل بسبب اخطاء تراكمت اقر بنصف الحقيقة لان التمديد والمرحلة التي سبقته كانا من جملة الاخطاء التي تراكمت لتؤدي الى القرار 1559. واذا افترضنا ان القرار كان معداً سلفاً، فإن القرار بالتمديد، والقراءة التي قدمها الوزير فاروق الشرع (وزير الخارجية آنذاك) في تلك المرحلة وفحواها ان القرار لن يصدر (اعترفت السيدة بثينة شعبان في ما بعد بخطأ الشرع في تقويم الواقع الدولي) اديا الى تسهيل صدوره. ثم ان القرار 1559 لمن يدرسه بعناية ما قام في جميع فقراته الا على نصوص اتفاق الطائف. وهو من الناحية العملية نسخة طبق الاصل من بعض بنوده. والرئيس الاسد الذي نصحه العالم بأسره والعواصم العربية الكبرى جميعها من دون استثناء لم يشأ العدول عن القرار بالتمديد للرئيس اميل لحود على رغم انه كان يملك بدائل معقولة لبنانياً وعربياً ودولياً. لكن الذهنية اياها طغت على عقل الحكم السوري.
4 ndash; العلاقة مع الحريري: في اشارته الى انه لم يكن على خلاف مع الرئيس رفيق الحريري على اي عنوان من العناوين العريضة، يجانب الاسد الحقيقة ولا سيما عندما يزعم ان الحريري كان موافقاً على التمديد. انها اكبر كذبة في التاريخ. والرئيس الاسد يعرف. لان الحريري صوّت مرغماً على التمديد حرصاً على سلامة البلاد، وتجنباً لـquot;شر مستطيرquot; عاد ولاحقه في الرابع عشر من شباط. نعم ان اغتيال الحريري كان استهدافاً لسوريا الشعب، وسوريا الوطن، وسوريا الدولة. ولكن حبذا لو ان سوريا النظام ادركت الامر ولم تنزلق. ونكتفي.
5 ndash; عدم التدخل في لبنان: صحيح ان المسؤولية عن التدخل في الشؤون اللبنانية تقع ايضاً على عاتق جهات لبنانية لا تزال تعمل لمصلحة سوريا على حساب لبنان. لكن سلواكيات النظام نفسه وذهنيته تشجع على ذلك، فتقيم على سبيل المثال مكاتب انتخابية في قلب دمشق لادارة معركة الاقلية في لبنان في حزيران المقبل، دون ان ننسى تهريب السلاح.
6 ndash; حكومة الوحدة الوطنية: يعلن الاسد انه لن يتعاطى وحكومة غالبية نيابية لبنانية جديدة. وهذه ذروة التدخل في الشؤون اللبنانية، واشارة الى استراتيجية سورية مرحلية تقضي بتعطيل الحياة السياسية والحكم في لبنان وتعليقه في انتظار تحسين واقعها لمزيد من التقدم في اتجاه اعادة وضع اليد على لبنان.
ماذا لو اعلنت دول العالم ان الحكومة السورية ليست حكومة وحدة وطنية وانها لا تعبر عن توافق، وامتنعت عن التعامل معها؟
7 ndash; المحكمة الدولية شأن لبناني: ولكن ماذا لو توصلت الى الدور السوري في الاغتيالات.
هذا غيض من فيض يعكس ذهنية لا تزال عاجزة عن فهم اهم المتغيرات في لبنان: ان النظام السوري لن يعود الى وصايته السابقة على لبنان، مهما فعل هو واجتهد حلفاؤه في لبنان، لسببين: التحولات الكبيرة في لبنان عقب ثورة الارز. والتحوّل على المستويين الدولي والعربي في مقاربة طموحات النظام السوري في دول الجوار.
اياً يكن من امر، فإن ما يهم غالبية اللبنانيين هو الافعال اولاً. اي العلاقات الديبلوماسية، وترسيم كل الحدود بدءاً من مزارع شبعا، وسحب المنظمات الفلسطينية التابعة لدمشق من لبنان، وحل قضية المعتقلين والمفقودين والمخطوفين نهائياً. اما العمل لوقف التدخل فنضال طويل الامد قد يمتد سنوات طويلة.
وأما تغيير الذهنية فأساس التغيير الحقيقي لتصفو العلاقات بين البلدين. وهذه لم يطرأ عليها اي تعديل!