بغداد -جعفر الونان


استفحلت في الآونة الاخيرة ظاهرة الشهادات المزورة، وخصوصاً عند بعض المناصب الحكومية المتقدمة، كأعضاء مجالس المحافظات والمدراء العامين، وحتى بين بعض مراتب الأجهزة الأمنية. ولهذه الظاهرة شبكاتها المتغلغلة في الكثير من دوائر الدولة، التي تحولت إلى مجاميع لكسب المال الحرام، فضلاً عن أن عملها يضع الشخص غير المناسب في اماكن حساسة، لها علاقة مباشرة بتقديم الخدمات للمواطنين، وربما تكون هذه الظاهرة واحدة من مشكلات قصور الخدمات المقدمة. واحدة من قصص هذه الشهادات يرويها سمير علي الذي استطاع أن يحافظ على مجموعة كبيرة من الوثائق والملفات التابعة لوزارة التربية، والتي حافظ عليها من بين براثن عصابات السرقة والنهب التي اجتاحت دوائر الدولة بعد سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003.

وفي الثالث من ايار من العام نفسه دعت القوات الاجنبية، موظفي وزارة التربية إلى الالتحاق بالعمل من إجل ارجاع الحياة للقطاع التربوي، وكان سمير خائفاً بعض الشيء، لكنه بكل روح وطنية قررأن يسلم هذه الوثائق للمعنين بالأمر، وطوال الفترة التي كانت الملفات لدى سمير ظلت بعيدة تماماً عن أيدي العابثين، لكن الامر اختلف تماماً عندما سلم سمير هذه الوثائق الى الوزارة، فقد اصبحت واسطة لإصدار وثائق آخر ى غير رسمية، حتى باتت مهنة في الوزارة. فعلى الرغم من أن (سوق مريدي) اصبح في ذلك الوقت منافساً للوزارة من ناحية اعداد هذه الشهادات غير أن مقتني هذه الشهادات يفضلون الوزارة كونها رسمية على حدّ قولهم.


سمير واصدقاؤه من موظفي الوزراة كانوا يتألمون عندما يرون تزوير الشهادات تحت انظار الجميع، وهو يقول عن ذلك:raquo; لقد حاول وزير التربية الأسبق أن يقلص هذه الظاهرة في الوزارة في عام 2004 غير أنه عجز بسب سوء الوضع الأمني آنذاكraquo;.
استمر حال تزوير هذه الشهادات حتى عام 2007، وعن ذلك يقول ابو نوفل، وهو الاسم الوهمي لأحد المزورين في منطقة الزعفرانية: laquo;لقد كنت أزور في اليوم الواحد اكثر من اربع شهادات، غير أن الوضع اختلف الان، وبات باستطاعتي تزوير العديد من الشهادات.raquo;
مصطفى كامل زور شهادة اعدادية في عام 2006 ليتعين فيها باحدى وزارات الدولة، بعد أن فشل ولمرتين متتاليتين في اجتياز الامتحان الوزاري. يقول مصطفى:raquo;انا الان موظف ومستحقاتي نفس مستحقات أقراني من ذوي الشهادات الرسمية، لكنني اشعر بالندم في أحايينٍ كثيرة بسبب عدم اصولية شهادتيraquo;.


وتشير آخر الاحصائيات لمنظمة مجتمع مدني عراقية مهتمة بهذا الموضوع (تطوير الاجيال) إلى أن اعوام 2004 و2005 و 2006 اكثر الاعوام التي شهدت فيها تزوير شهادات ووثائق من داخل وزارة التربية، بسبب تدهور الوضع الامني وقتذاك، لكن في بداية عام 2007 شكّل رئيس الوزراء نوري المالكي لجنة لمتابعة ملف (الشهادات المزورة) وما يؤخذ على هذه اللجنة أنها إلى الآن لم تعمل على محاربة المزورين بشكل دقيق. احد اعضاء اللجنة صرح لـ (المدى) قائلاً: laquo; نحن لا نستطيع عمل شيء بسبب التوافقات السياسية التي عرقلت عملنا وأجهضت معظم الخطط التي وضعناه من اجل محاربة هذه الظاهرةraquo;.


وتجرى عادة طريقة تزوير الشهادات عن طريق سجلات طلبة الامتحان الخارجي، يقوم موظفون في مقر الوزارة بالتنسيق مع آخر ين يعملون بمديريات تابعة للوزارة باستبدال اسماء الطلبة الذين لم يوفقوا في الامتحانات عن طريق الحبر الابيض داخل (السجل الاحمر) واختيار الدرجات المطلوبة، ومن ثم توزيع الاستمارة على بقية الدوائر ذات العلاقة. ويمتلك مزورو شهادات الإعدادية اتصالات موثقة مع موظفين في دوائر الدولة.
في اواسط عام 2006 القي القبض على ياسر في منطقة الصالحية، وبحوزته اكثر من 33 شهادة مزورة. لم يكن ياسر الوحيد الذي يعمل بهذا المجال، فقد كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية عبد الكريم خلف لـ (المدى) عن عملية موسعة انطلقت في بداية آذار العام الماضي للقبض على شبكات موسعة تعمل على تزوير الشهادات. وقال خلف: laquo;تم القاء القبض على مئات المزورين، وان اغلبهم لديهم ارتباط بجماعات ارهابيةraquo;. خلف رمى باللوم على القضاء الذي يعطل العديد من الملفات المهمة مثل هذه القضية.
ويشيرعلاء مكي رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب لـ(المدى) إلى ان laquo;هناك جهداً حقيقياً في متابعة عمل وزارة التربية بشأن الشهادات التي تخرج منها، لكن الامر يبدو صعباً بعض الشيء، فهناك شبكات كبيرة تشرف على عملية تزوير الشهادات، ولها امتدادات خارج العراقraquo;.


النائبة أمل القاضي وهي عضوة لجنة النزاهة في البرلمان أقرت انتشار ظاهرة الشهادات المزورة في جميع الوزارات وليس فقط في وزارة التربية.
وأشارت النائبة إلى أن لجنة النزاهة تتابع مسألة الشهادات المزورة، وتبلغ بها جميع الوزارات المعنية، وكانت آخر حالة رصدتها اللجنة هي وجود موظفة في وزارة الخارجية كانت مرشحة كملحق في الخارج، وبعد متابعة الموضوع تبين أن الشهادة فعلا مزورة وتم فصلها من الوظيفة. وفي ما يخص الشهادات المزورة في وزارة التربية والتعليم، أوضحت القاضي: أن هناك في احدى المديريات التابعة لوزارة التربية أكثر من1088 شهادة مزورة حسب احصائيات ديوان الرقابة المالية لسنة 2008.
عبد الحسين العنبكي، وهو أحد أبرز مستشاري رئيس الوزراء اكدّ لـ (المدى)raquo; ان معاقبة الموظفين الذين يعملون في دائرتين حكوميتين، وعدم السكوت عن المتورطين في ملف تزوير الشهادات، بالتأكيد هو جزء من خطة القضاء على الفساد الاداري التي تعمل الحكومة للسيطرة عليه وتشخيص القائمين عليه، ولكنه يتطلب جدية وحزماً اكثرraquo;. غير ان هذا الحديث هو مخالف لما جاء في الكتاب الرسمي للامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء الذي حصلت (المدى) نسخة منه، حيث نص على ضرورة ارجاع الموظفين الذين قاموا بتزوير شهاداتهم إلى درجاتهم الوظيفية السابقة، أي قبل قيامهم بعمليات تزوير، ولم يكلف مجلس الرئاسة بمحاسبة المزورين من موظفي امانة رئاسة مجلس الوزراء الذين وصل عددهم إلى 50 موظفاً حتى نهاية عام 2008.
ويقرّ المفتش العام بأن السياسيين هم اول من بادروا لتزوير شهاداتهم، وان قسماً كبيرا منهم تسلموا مسؤولية إدارة احزاب مهمة في الساحة السياسية، ويبدو ان المفتش العام في الوزارة تلاحقه عيوان داخل الوزارة فهو متخوف دائما، ويرفض حتى اعطاء اسمه الحقيقي للصحافيين، وعيناه تبدوان خائفتين من المجهول، وهو محاصر برجال لهم انتماءاتهم الحزبية والسياسية على حد توصيفه. وليس بعيدا عن مكتب المفتش العام إذ يتهم محمد العزاوي، وهو بدرجة خبير في وزارة التربية بعض الجامعات الاهلية بتعاونها مع المزورين. حيث تبين ان جامعة الامام الصادق هي الاكثر بين الجامعات قبلت الطلبة الذين قاموا بتزوير شهاداتهم، فلا تصدر كتباً رسمية لوزارة التربية لغرض تصديق صحة صدور الوثائق الرسمية، وهذا حال كلية دجلة والمأمون وغيرهما من الكليات الربحية. شخص آخر، وهو ايضاً بدرجة خبير في الوزارة، كان خائفاً من الموجودين، قال:raquo; الوزير يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة لم تعترف بها وزارة التربية، وعلى الرغم من محاولات الوزير الاعتراف بهذه الجامعة غيرّ ان المحاولات باءت بالفشلraquo;.
ويرغب الطلبة المزورون الحصول على درجات عالية، سعياً منهم للحصول على مقاعد دراسية مميزة، وحسب احصائيات لمنظمة التعليم العالمي، حصلت عليها (المدى)، وظهرت فيها نسب حالات التزوير في المحافظات خلال عامي 2007 و2008:
ت المحافظة النسبة
1 البصرة 19 بالمئة
2 بغداد 18.9 بالمئة
3 واسط 11 بالمئة
4 النجف 10 بالمئة
5 كربلاء 10 بالمئة
6 الديوانية 8 بالمئة
7 ديالى 8 بالمئة
9 بابل 7 بالمئة
10 الانبار 7 بالمئة
11 نينوى 7 بالمئة
12 صلاح الدين 6 بالمئة
13 ذي قار 6 بالمئة
14 ميسان 5 بالمئة
15 المثنى 2 بالمئة