خالد القشطيني

ارتبط الكثير من الأمثال عند كل الشعوب بأسماء بعض المدن أو المناطق أو المراكز الجغرافية. أشهرها عالميا القول اللاتيني laquo;كل الطرق تؤدي إلى روماraquo;. وقالت العرب laquo;أهل مكة أدرى بشعابهاraquo;.
لنا في العراق أمثلة شعبية تعكس الخلفية التاريخية للكثير مما جرى هناك في السنوات الأخيرة. من ذلك قولهم laquo;تمبل (ثقل) المعظم على الكرادةraquo;. المعظم، أو الأعظمية هي الناحية التي تضم ضريح الإمام الأعظم أبي حنيفة. وكانت منطقة جلها من السنة واليهود. وإلى جانبها منطقة الكرادة التي يقطنها الشيعة. وكان لهؤلاء تنظيمهم الخاص والقوي الذي سهر على العتبات الشيعية وترك لنا هذه الدرر من العمارة الإسلامية في أضرحة الكاظمين وكربلاء والنجف والكوفة وسامراء. لم يكن للسنة أي تنظيم مشابه، إذ تركوا الأمر للسلطة السنية، وكانت سلطة العثمانيين الذين سهروا على مساجد اسطنبول وأهملوا مساجد العراق. أدى ذلك إلى تدهور أحوال مسجد الإمام الأعظم إلى حد يرثى له. اضطر الوالي في الأخير إلى فرض ضريبة على سائر المنطقة، بما فيها الكرادة، لترميمه. وهكذا وجد الشيعة أنفسهم يدفعون لترميم مسجد سني فقالوا هذا laquo;تمبل المعظم على الكرادةraquo;.
جرى مثل ذلك في منطقة بعقوبة التي تعرضت هي الأخرى مؤخرا إلى اضطرابات دموية مشابهة. كان سكانها من السنة وهي مركز اللواء فسهر العثمانيون على رعايتها وإعمارها. فعلوا ذلك من رصيد الضرائب التي جمعوها من النواحي القروية المجاورة، وعلى رأسها خرنابات. وكان جل سكان هذه القرى من الشيعة، الفلاحين الفقراء الذين رددوا مثلا مشابها وأكثر بذاءة فقالوا: laquo;بعقوبة تزني وخرنابات تدفع!raquo;.
يروي العالم الاجتماعي، الدكتور علي الوردي الكثير عما كان يعرف بمعارك المحاليل، المعارك أو ما كان يسمى بالمكاسرات، التي كانت تجري بين المحلات (الحارات) المختلفة في بغداد. كانت أقرب ما يكون للمباريات بالحجارة، ولكن بعضها تمخض عن إصابات جارحة وعداوات شديدة بين محلة وأخرى إلى درجة أن أصبح من الخطر لأبناء المحلة الواحدة التوغل في أزقة المحلة الأخرى. انطبق ذلك بصورة خاصة على سكان محلة الجوبة وسكان محلة سيد قنبر علي. لم يعد من السليم أو الحكيم لشاب من أي منهما أن يخرج من محلته ويزور صديقا له في المحلة الأخرى أو يخطب بنتا من بناتهم. فقالوا: laquo;بيتكم بالجوبة، إش جابك لقنبر علي؟!raquo;.
وسار القول مثلا يضرب عن التنافس والتناحر الإقليمي في العراق بين محلات المدينة الواحدة، ناهيك عن المدن والأقاليم المختلفة.