حسن عبد الله عباس
حينما تستمع لتصريحات الجهات الرسمية في مصر تحسب أنك تستمع لإحدى القيادات الفلسطينية الوطنية المقاومة، لكنك حينما تلتفت للجانب الآخر وترى الموقف المصري الرسمي من القضية والشعب الفلسطيني تندهش لدرجة وحدة الاختلاف والتناقض بين ما سمعته وما رأيته!
قافلة laquo;شريان الحياةraquo; التي شكلها النائب البريطاني جورج جالاوي ضمت مجموعة كبيرة من الناشطين في مجال حقوق الإنسان من أنحاء مختلفة من أوروبا وتوجهت إلى غزة تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني الغزاوي المسكين من باب المواساة وللتقليل من آثار الحصار القاتل الذي تفرضه إسرائيل منذ عامين على القطاع. لكن ومع ذلك واللافت والغريب والمُصدم حقاً في أمر القافلة أنها تُمنع من الوصول إلى وجهتها من قِبل السلطات المصرية! فكما يقول الزميل والكاتب الكبير فهمي هويدي بأنه وبعدما كنا نستجدي الأوروبيين والأميركيين التعاطف لحل مشكلة الفلسطينيين، جاء اليوم الذي يتوسل فيه الأوروبيون والأميركيون إلى القيادات العربية لتسمح لهم بمد يد العون والمساعدة إلى غزة!
فالقافلة أخذت مدة زمنية طويلة من ناحية الترتيب والإعداد وضمّت 400 ناشط حقوقي من أنحاء أوروبا وحَوَت 250 سيارة محملة بأنواع مختلفة من المساعدات لإيصالها إلى أهالي غزة عن طريق ميناء نويبع، لكنها ومع بالغ الأسف تبلّغت قراراً رسمياً وفي وقت متأخر جداً وبعدما لم يتبقَ للقافلة سوى الأميال الأخيرة، تبلّغت بضرورة العودة مجدداً إلى الأردن وعن طريق سورية ليتغير المسير ويتحول إلى بوابة العريش بدلاً من نويبع! فالحملة بعدما وصلت على أعتاب غزة انكشف المزاج الرسمي المصري الذي لم يستسغ له هذا الطريق فمنعها وردها أدراجها حتى تُعيد كرة الدخول، لكن هذه المرة عبر بوابة تبتعد عنها مئات الكيلومترات ومن دون سبب موزون وبلا حاجة أو ضرورة مستعصية استدعت هذا التحويل!
لا أظنك ستجد تبريراً منطقياً مقنعاً للتصرف الرسمي المصري، أو دعني أقول بأنه تصرف مصري رسمي مقنع جداً بموجب laquo;التنسيق السياسيraquo; بين الإدارات الثلاث: الأميركية والإسرائيلية والمصرية! فالموقف المصري الرسمي لا تراه مستغرباً كثيراً إذا ما وضعته إلى جانب مواقف مصرية أخرى كبناء جدار حديدي تحت الأرض يفصل بين غزة ومصر بحجة منع التسلل (أو المساعدات للشعب المظلوم)، وهو السور الذي أصدر الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي بياناً شرعياً الأحد الماضي قال فيه: laquo;بناء هذا الجدار محرم شرعاًraquo;، فالأمران لا يعنيان سوى الشيء نفسه! كلمة حق لابد أن تقال هنا، وهي أن الصورة النمطية التقليدية القديمة عن مصر بالتأكيد لم تعد كما كانت، فمصر بموقفها الرسمي الجديد بعدم التجاوب والتعاطي والتفاعل مع مشاعر أولئك الناشطين النبيلة، بموقفها هذا أهدرت الكثير من سمعتها وشهّرت بنفسها أمام المجتمعات الأوروبية قبل العربية والإسلامية.
فهل بعد ذلك يا عرب نلوم شعوبنا إذا ما عشقوا رجالاً كنصرالله، أو نلومهم لإجلالهم واحترامهم للأتراك الذي رد رئيس حكومتهم في المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس قبل عام السيد رجب طيب أردوغان ادعاءات المتجبّر شمعون بيريز ودفاعه عن الحرب الإجرامية في غزة، أو موقف تركيا الحالي بتحملها لأعباء تكاليف تغيير مسيرة laquo;شريان الحياةraquo; من نويبع إلى العريش؟
- آخر تحديث :
التعليقات