وفيق السامرائي

في أوقح تصريح رسمي، هدد وزير خارجية إيران، منوشهر متقي، بريطانيا بتوجيه laquo;لطمة على الفمraquo; إذا لم توقف ما سماه التدخل في شؤون إيران الداخلية. ولم تتوقف اتهامات نظام ولاية الفقيه المتكررة بدور بريطانيا في ما يجري في طهران ومعظم المدن الرئيسية من ثورة شعبية بيضاء، امتدت إلى الأرياف التي كان يحسبها البعض من أهم معاقل المرشد. ولا تتعدى الاتهامات عملية هروب من الاعتراف بقوة وشعبية الاعتراضات على سياسة النظام التي يتسع نطاقها بوتيرة متصاعدة. الاتهامات الإيرانية بلغت من السذاجة والتبسيط والتخبط حدا لا يمكن تصديقه، فمرة يقولون إن الطائرات المتجهة من لندن إلى طهران كانت مليئة بالأشخاص بدرجة غير مسبوقة خلال مرحلة الانتخابات. ومرة يعتقلون مستخدمين مدنيين يعملون في السفارة البريطانية بتهمة التحريض على التظاهر. وأخرى يتهمون المخابرات البريطانية بأنها سبب تدهور الوضع الداخلي الإيراني. وبقي التركيز شديدا على دور الإعلام البريطاني عموما وقناة الـlaquo;بي بي سيraquo; باللغة الفارسية تحديدا.

فهل يعقل أن يكون قادة المعارضة كلهم من عملاء المخابرات؟ وألم يكن هؤلاء أو معظمهم جزءا من الفلسفة العليا للنظام الحاكم، قبل أن ينشطر أفقيا وعموديا، وتظهر عليه علامات التآكل والانهيار؟ وإذا صحت تهمة العمالة ألا يعني ذلك وجود عملاء آخرين لا يزالون داخل النظام؟ فأي نظام هذا الذي laquo;يعشعشraquo; فيه العملاء؟

هل يعقل أن تكون الثورة البيضاء كلها مسيّرة من خارج الحدود؟ أم أنها نتيجة معاناة لا مثيل لها وعملية رفض متصاعد لأفكار متخلفة؟ ولماذا عجز نظام الفقيه عن تقديم أدلة منطقية أو حتى سطحية تدين قادة المعارضة بالتواطؤ والارتباط بالخارج؟ أما المحاكم الصورية التي شكلت لمحاكمة الساعين إلى الحرية فقد عارضها رجال دين بارزون كانوا من قادة ثورة الخميني نفسها.

واقع الحال، إن الشعوب الإيرانية كانت متقدمة على دول المنطقة في تقليدها لجوانب عدة من ثقافة الغرب، التي تتمتع بريطانيا بمواقع متقدمة منها. وهنالك حقيقة لا بد من الإقرار بها، وهي أن الشعوب الإيرانية متعطشة في ظل غياب شبه تام للدور الإعلامي الخارجي النشط إلى متابعة الـlaquo;بي بي سيraquo; باللغة الفارسية، ولو عملت الفضائيات العربية برامج فارسية لانتقل تأثيرها من حالة التثقيف العربي حول إيران إلى التأثير في الوضع الإيراني نفسه، للمساهمة في توسعة أفق الحرية التي تستحقها الشعوب الإيرانية.

من حق الـlaquo;بي بي سيraquo; أن تفخر بدورها في مساعدة الإيرانيين لفهم الموقف دون ضبابية، ومن حق النظام الديمقراطي البريطاني الفخر بأنه أصبح موضع تأثير أممي يشد قوى الخير إلى عملية التطلع إلى حياة حرة، بطريقة علمية ومحايدة ومستقلة وصادقة، ولتكن أحدث تجربة تجاه إيران مثالا متجددا لنصرة قوى الخير والساعين إلى حياة أفضل.

وإذا كانت قناة تلفزيونية قادرة على هز نظام ولاية الفقيه فإنها تعطي دليلا ماديا واضحا، يثبت أن نظاما كهذا لا يمتلك مقومات الاستمرارية والبقاء، وما طلباته بالمشاركة في إدارة العالم إلا جزء من مطالب ساذجة وتصرفات غوغائية، حاول تغطيتها بشعارات براقة زائفة.

نظام تهزه قناة فضائية لا يمكنه توجيه لطمة إلا إلى فمه. فهذه بريطانيا العظمى يا معالي الوزير، أجهزتها واعية ومنتبهة، ومحيطها مرتبط بداخلها، وعناصر أمنها هم كل من يسير على الطريق. فلا يأخذنكم الغرور، وما عليكم إلا الخضوع لإرادة شعوبكم في حق التغيير وإقامة نظام علماني بعيد عن الخرافات الضوئية التي تحيط بالرئيس والإمدادات الغيبية التي حاشا لله أن يسخرها لغير الفقراء والمظلومين.

فلا تخطئوا الحساب وتلقوا بأنفسكم إلى تهلكة لا تقدرون على الخروج منها، وكفاكم غوصا في معضلات ستقودكم إلى انقلاب قوة قمعكم عليكم على يد قوى معارضة تعرف كيف تتحرك.