عبد العزيز السماري

كانت ولا زالت مسيرة العنف في التاريخ العربي تتأرجح دائماً ما بين المد والجزر، ولم تصل إلى نهاية كما هو الحال في داخل المجتمعات الغربية والآسيوية، ولا زالت طبول الحروب تقرع في أرجاء الوطن العربي الكبير. وإذا أخذنا مسيرة العنف في تاريخ العرب قبل وبعد الإسلام، لوجدنا أن الحرب هي المحصلة النهائية في مسيرة أي اختلاف على أمر ما، إذ دائماً ما تعود مرة أخرى للاستعداد لحرب جديدة..

فالمواقف المتطرفة جداً تنجح في أغلب الأحيان على فرض تأثيراتها على الشعوب العربية، وهو ما يعني أن الحرب هي قدر الإنسان العربي. فهذا الإنسان لم يتعلم التفكير في قضاياه من خلال فلسفة السلام، وإن كان يحمل في داخله كثيراً من السلام، لكنه من السهل أن يتحول إلى أداة للعنف والحرب، ولعل السبب يكمن في قدرة العقل المتطرف في كسب تأييد الرأي العام، وذلك بسبب الفقر الشديد في وعيه الحضاري..

التطرف أحد وجوه الحياة العربية الدائمة، ولا يمكن بأي حال إبعاده عن دائرة التأثير على التيار العام في ظل حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العربي منذ قرون، لكن حجم تأثيره يختلف باختلاف الزمان والبيئة، إذ دائماً ما يكون للتطرف بدايات تختلف عن النهايات، فعادة ما تكون البدايات وأثناء إعلان الأفكار الجديدة أقرب إلى الدعوة والموعظة الحسنة، لكنها ما تلبث أن تتحول مع مرور الوقت إلى فكر أكثر عنفاً..

ما حدث في تجربة الإخوان المسلمين على سبيل المثال دليل على ذلك، فبدايات حسن البنا تختلف في المنهج تماماً عن نهايات الفكر الإخواني في عصر سيد قطب ثم حدوث الانشقاق الكبير بعد ذلك، والذي أدى إلى اختلال في قاعدة السلم التي انطلق منها الشيخ حسن البنا، وهو ما نتج عنه انفجارات حروب لم تتوقف أصداؤها إلى اليوم...

كذلك هو الحال في معظم الأديولوجيات التي أبدع المسلمون في استغلالها من أجل الانشقاق ثم إعلان الحرب، فتجربة التطرف في اليمن الشمالي ظهرت منذ عشر سنوات في بيئة مقهورة، ليتم نشرها بين العامة اليائسين كخيار للسلام والإيمان، والذين كانوا يتعرضون إلى ظروف معيشية صعبة، أدت في نهاية الأمر إلى حرب جديدة على الأرض العربية.. كذلك ما حدث في لبنان، وما يحدث في العراق في العصر الراهن دليل على استمرار حالة الحرب في المجتمع العربي..

قامت كثير من الدول على مواقف سياسية متطرفة، وقد ظهر ذلك في الشرق الإسلامي والغرب المسيحي والعلماني، لكن الفارق بينهما أن الفكر الإسلامي والقومي فشلا في تقديم رسالة واضحة للشعوب، وقادرة على وضع حد لتاريخ الحروب ثم بدء واقع السلام، كما هو الحال في بقية العالم..

ظهر المهاتما غاندي كظاهرة استنثنائية في تاريخ الأمم، والذي قدم للعالم فكراً خالياً من التطرف، فقد ظهر السلام لأول مرة في التاريخ كسلاح فعال ضد المستعمر، وقد نجح بامتياز في نقل بلاده من مرحلة إلى أخرى، فالهند في الوقت الحاضر أكبر الدول الديموقراطية في العالم وأكثرها أماناً في المستقبل..

لكن العرب ما زالوا يرفضون أساليب السلام لحل أزماتهم الداخلية، إذ تشتعل عقولهم بضجيج آلة الحرب، بينما لا تجد مشاعر السلام موطئاً لها في قلوبهم، فقد كان تاريخهم قبل وبعد الإسلام محمولاً على رؤوس الرماح، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره..

لم يعرف خطاب السلم مكاناً في سيرتهم الطويلة إلا في ذلك الموقف التاريخي لحكيم الشعراء زهير ابن أبي سلمى، صاحب المعلقة الشهيرة في عملية السلام التي قام بها السيدان هرم بن سنان والحارث بن عوف، والذي قال في الحرب ما لم يقله أحد قبله أو بعده، (ما الحرب إلا ما علمتم وذقتم، وما هو عنها بالحديث المرجم، متى تبعثوها تبعثوها ذميمة، وتضر إذا أضريتموها فتضرم، فتعرككم عرك الرحى بثفالها، وتلقح كشافاً ثم تنتج فتُتئم، فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم، كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم، فتُغلل لكم ما لا تُغِلُّ لأهلها، قرىً بالعراق من قفير ودرهم)..