القاهرة ـ دار الإعلام العربية

laquo;زهقت من رغي الحلاقينraquo;.. عبارة كثيرا ما نسمعها تتردد على ألسنتنا بعد كل تعامل مع صالونات الحلاقة العامة، ويبدو أن هناك أملا في الخلاص منها، وهذا الأمل عبارة عن صالون حلاقة خاص جدا، وسر خصوصيته أنك لن تسمع كلمة واحدة ولا حتى همسة تتردد بين جدرانه.. والسر في ذلك أن القائمين عليه خمسة أشقاء جميعهم من الصم والبكم.. تجربة جد مثيرة نترك لك التعرف إلى تفاصيلها في سياق السطور التالية.
في حي بولاق الدكرور ، أحد الإحياء الشعبية الشهيرة بمحافظة الجيزة في مصر، يقبع محل laquo;كوافير رجاليraquo; يديره الأشقاء الخمسة الذين يتعاملون مع الزبائن بلغة الإشارة فقط.. والصالون الذي يحمل اسم laquo;الأصابع الذهبيةraquo; ينال شهرة واسعة، بين أهالي المنطقة الكائن بها، بل يضرب به المثل في التصميم والتحدي لهؤلاء الأشخاص الذين تحدوا إعاقتهم بعد أن حرمهم الله نعمة الكلام ليمنحهم موهبة ومهارة عالية في استخدام المقص والمشط، ليعزفوا عن طريقهما أفضل وأجمل القصات والتسريحات على رؤوس الزبائن. جولتنا مع الأشقاء الخمسة بدأت بمساعدة صديقهم laquo;جمعةraquo; الذي كان حلقة الوصل الرئيسية بيننا وبين أصدقائه الخمسة من الصم والبكم، وهو نفس الدور الذى يقوم به أحيانا بين الزبائن الجدد والقائمين على المحل، حيث يقوم بترجمة اقتراحات الأشقاء الخمسة المناسبة للزبائن بشأن القصات الحديثة.

لغة الإشارات... وفيما كان مترجم الإشارات جمعة يقدمنا الى الأشقاء الخمسة ويقدمهم إلينا، كانت الابتسامة هى رد الفعل الإيجابي منهم بقبول الزيارة، وتعددت أساليب الترحيب بنا، وكنا نفهمها أيضا عن طريق صديقهم الذى أخذ يسرد لنا كيف بدأت هذه الفكرة الفريدة، وهم ينظرون إليه، ويؤكدون نفس الكلام.. لكن بالنظرات والإشارات دون الكلام. بدأت قصة هذا الكوافير الرجالي، كما ترجم لنا جمعة، منذ سنوات بمحل الحلاقة الذي يمتلكه والد الأشقاء، وقال إن هذا لم يكن من اختيارهم، ولكن القدر شاء أن يكونوا كذلك، وبمرور الأيام اشتهر الأشقاء الخمسة بأصابع ذهبية laquo;تتلف في حريرraquo;، وهذه شهادة أكدها الزبائن الموجودون في المحل بسبب قصاتهم المميزة وأناملهم التي عبرت عن خبرتهم بعد أن وصلت الموهبة والهواية إلى احتراف جذب زبائنهم من الشرق والغرب، خاصة الفئة التي فضلت الصمت مقابل الجودة والخبرة.

يتحدث الأشقاء الخمسة مع زبائنهم بلغة العيون، يفهمون ما يطلبونه بسهوله شديدة أدت إلى امتداد جسر من التفاهم بينهم، علاوة على الابتسامة التي لا تفارق وجوههم.

ونعود إلى مترجم الإشارات جمعة، الذي أفاد بأن حكاية هؤلاء الشباب من الصم والبكم تعود عندما قرر والدهم عام 1997 أن يساعدهم على كسب لقمة العيش، ففكر في افتتاح صالون حلاقة لهم بعد أن تعلم الابن الأكبر محسن تلك المهنة فكان بمثابة الأب لأخوته، فلم يبخل بمساعدتهم، وعلمهم المهنة ودربهم عدة سنوات على طريقة التعامل مع الزبائن دون الحديث بالكلام.

أما الشقيق الثاني فيدعى رمضان، ويبلغ من العمر 33 عاما ومتزوج، ولديه أربعة أبناء من الصم والبكم، وقد نال إعجاب أحد المصريين الذين يعملون بالكويت، فأرسل له عقد عمل هناك، لكنه لم يستطع الابتعاد عن أسرته، فعاد سريعا إلى القاهرة؛ لخوفه الشديد على أسرته، وانتظم مع باقي أشقائه في العمل في صالون الحلاقة.

ووفق مترجم الإشارات فإن الشقيق الثالث يدعى أحمد الذي يبلغ من العمر 32 عامًا، لكنه لم يحصل على شهادة علمية عكس شقيقيه السابقين اللذين تعلما في مدارس الصم والبكم، فقد توقف عند حد المرحلة الإعدادية، لكن وهبه الله موهبة إضافية وهي كتابة الشعر، الذي يتميز بحلاوة الكلمة التي لا ينطقها، ولكنه يكتبها بالورقة والقلم.. ومتزوج من سيدة صماء بكماء وقد رزقه الله بطفلين لا يعانيان من أي إعاقة.

ويساعدهم في المحل الشقيق الرابع laquo;محمدraquo; البالغ من العمر 24 عامًا، وهو حاصل على دبلوم مدارس الصم والبكم وضعاف السمع، وتميز في المهنة بخبرته وحب الناس له ولديه طاقة تفوق الخيال وقدرة هائلة على اكتساب ود زبائنه الذين ينتظرونه ساعات طويلة لترسم أنامله الذهبية قصات رائعة على رؤوسهم.

كتيبة الصم والبكم

وتكتمل كتيبة الأشقاء، والكلام لمترجم الإشارات جمعة، بالشقيق الأصغر laquo;رضاraquo; الذى يبلغ من العمر 20 عامًا وغير متزوج، ويعد آخر أفراد العائلة الذي التحق بهذه المهنة.. كما انضم إليهم حديثا صديقهم laquo;محمد راغبraquo; أصم وأبكم أيضا.

حيث لم تكن له أي علاقة بمهنة الحلاقة، فقد كان يعمل ميكانيكي سيارات واستهوته الفكرة، فقرر أن يهجر مهنة الصبا والشباب لينضم إليهم، واستطاع التفوق والاستمرار بعد أن قضى عدة سنوات مع فريق تصفيف الشعر الخاص بالممثل شريف منير ساعدته في الوصول بسهولة للاحتراف بعد ذلك في صالون laquo;الأصابع الذهبيةraquo; لينال الشهرة بجودة أنامله.

فريق الصالون الصامت لم يقف عند حد معين، بل استطاع أن يواكب أحدث خطوط الموضة العالمية في قصات الشعر، وكما يترجم لنا جمعة، يعرض الأشقاء الخمسة على زبائنهم ما يريدون وما يناسبهم أيضا من خلال لغة الإشارة التي استطاع زبائنهم أن يتعاملوا بها معهم.. فلم يكتفوا بقص الشعر على أحدث خطوط الموضة، بل باتوا يقدمون نصائح أيضا للعناية بالشعر مثل خبراء التجميل.

نصائح مهمة

يقول جمعة إن أبرز النصائح التي يتلقاها ويترجمها للزبائن تتعلق بالإقلال من استخدام الصبغات والعلاج الكيميائي، وتدليك فروة الرأس بأطراف الأصابع برفق أثناء الغسيل والشطف، والتأكد من زوال بقايا الشامبو والبلسم وشطف الشعر جيدًا وتخليصه تمامًا من الشامبو للحصول على اللمعة المطلوبة، وعدم الاقتراب من الحرارة ومصادرها؛ لأنها تسبب تأكسد الشعر وانخفاض لمعانه.

وينبه الأشقاء الخمسة زبائنهم دائما إلى ضرورة استخدام مشط واسع الأسنان؛ لأن الشعر المبلل يتقطع سريعاً إذا تم استعمال مشط ضيق الأسنان، كما أنه يجب تجنب تمشيط الشعر بعنف بدون تسليكه أولاً؛ لأن ذلك يؤدي إلى نزع الشعرة من خصلتها، أو يؤدي إلى تقطيع الشعر.

وينصحون أصحاب الشعر المجهد والجاف والباهت ببعض الحلول السريعة تبدأ بغسل الشعر بالشامبو بلطف ثم ترك البلسم المنعم لدقائق ليتم شطف الشعر بعد ذلك ثم تمشيطه بفرشاة رقيقة جدا وإضافة بعض النقط من الملمع أو السيرم الذي يحافظ عليه من الحرارة.

ويخلص مترجم الإشارات إلى التاكيد على أن صالون laquo;الأصابع الذهبيةraquo; يتمتع بسمعة طيبة تجعل الزبائن يتوافدون عليه من أماكن بعيدة، وتبدأ مواقيت عمله من الساعة التاسعة صباحًا حتى منتصف الليل، وأحيانا تنتهي فجر اليوم التالي.