السفير البريطاني يرسم صورة سوداوية للموقف في إيران:

لندن ــ رائد الخمار

كيف كان الموقف قبل اسبوع من مغادرة الشاه طهران، وقبل نحو شهر من عودة الامام الخميني اليها بعد غياب دام 30 عاماً؟
رفع السفير البريطاني انتوني بارسنز تقريراً الى رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية في لندن وطلب تعميمه على السفارات البريطانية الرئيسية في العالم، ضمنه ملخصاً لما يجري في طهران والمدن الرئيسية بدأه بالقول laquo;ان امكانية عودة الهدوء الى ايران في ظل حكومة بختيار سوداويةraquo;.
وقال laquo;ان الحكومة اصدرت قرارات متلاحقة خلال الايام الاخيرة لم تضمن الهدوء والاستقرار ابدا، ولم تستطع الحكومة اخذ المبادرة من معارضي السلطة، ويبدو انه ما من احد، من بختيار الى الوزراء، قادر على تنفيذ القرارات المتخذة وحتى محاكمة اي مسؤول بتهمة الفسادraquo;.
وكان وزير العدل فازيري اعلن مشروع المحاكم الوطنية لمحاكمة الوزراء والمسؤولين السابقين الفاسدين، امام الصحافة واجهزة الاعلام، على ان تقضي المحاكم بالموت على كل من تدينه في وقت تم الافراج عن 266 محكوماً امام المحاكم العسكرية بتهمة العمل ضد النظام الامبراطوري، بينما اعلن وزير الحرب استقالته احتجاجاً مما اظهر ان القوات المسلحة لا تؤيد بختيار وقراراته بالدعم الذي كان يأمله.

طائرات مزدحمة

انتشرت اشاعات في مختلف انحاء ايران ان عدداً من الوزراء الكبار سيغادرون مناصبهم والبلاد ايضاً بعدما شهدوا ان الامور تسير في غير الطريق المرسوم.
وكانت الطائرات المغادرة ملأى بالركاب الغربيين وكبار رجال الاعمال، في حين شهدت المصارف سحوبات كبيرة وتحويلات مالية الى الخارج خصوصاً الى دول الخليج والولايات المتحدة وفرنسا.
وكان تأخر الشاه في المغادرة سبباً في عدم الاستقرار، كما ان الجيش لم يكن في حكم الاكيد يؤيد التغييرات السياسية، بينما سرت اشاعات ان بعض كبار الضباط بدأوا يجرون اتصالات مع اركان المعارضة، في حين استقبل الخميني سراً في منفاه عدداً منهم للبحث في تحييد الجيش عن الصراعات والحفاظ على وحدته وقوته.

السلطة المركزية تختفي

وشهدت طهران ومختلف المناطق شحاً في الوقود والبنزين، وقطعاً للكهرباء بعد اشتداد موجة الاضرابات والاضطرابات وغياب السلطة المركزية، في حين بقيت مصارف عدة مقفلة وقيل ان ودائعها واموالها سحبت، في حين كان البنك المركزي الايراني عاجزاً عن تلبية الطلب على العملات الصعبة.
وزاد الصعوبات تساقط الثلوج في مختلف المناطق، وعزل العديد منها بعضها عن بعض بانتظار قرار ما لا يعرف احد ما هو!

الاعلام يدعم المعارضة

ولوحظ ان الصحف الصادرة بالانكليزية والفارسية كانت تخصص عنواينها لقرارات وبيانات المعارضة والخميني، وتتجاهل قرارات حكومة بختيار التي لم تلق تأييداً اعلامياً من مختلف الاتجاهات.
وشهدت المناطق حالة من الفوضى، وفي تبريز شهدت المؤسسات العامة تخريباً متعمداً وتم احراق عدد من المؤسسات الحكومية والرسمية، وهوجمت منازل السياسيين ورجال الشاه من دون ان تتصدى قوات الامن والجيش لمن كانت تسميهم laquo;المخربينraquo;.
ووفق اكثر من مصدر، رفضت قوات الجيش تطبيق الاحكام العرفية وانكفأت في ثكناتها، في وقت راح رجال الدين الصغار يوزعون المأكل ووقود التدفئة المصادرة على المحتاجين ويكتبون عليها laquo;هدية من الخميني للمحتاجينraquo;.

laquo;جبهة وطنيةraquo; لا مجلس وصاية

واعلن كريم سنجابي انه لن يشارك ابداً في مجلس وصاية على العرش، واقترح في مؤتمر صحفي تشكيل جبهة وطنية تضم رجال الدين ومختلف الاحزاب التي ترفض حكومة بختيار وكل ما يتصل بالحكم الامبراطوري.
وابلغ سنجابي السفارة البريطانية ان الدستور لم يعد قائماً على الاطلاق بعدما استغله الشاه لمصالحه الخاصة ولمصلحة البطانة.
وسرت اشاعات عن اعداد العسكر وكبار الجنرالات انقلابا على النظام للسيطرة على البلاد، لكن عدداً من الجنرالات اختفى من الصورة تماماً وقيل ان بعضهم غادر البلاد او نقل البندقية الى الكتف الآخر.
واعلن ان الجنرال بدري، القائد السابق للحرس الامبراطوري تسلم رسمياً قيادة اركان من الجنرال اوفيسي المختفي.

الانقلاب غير ممكن

وفي البند السابع من التقرير قال السفير ان اي انقلاب عسكري لن ينهي الازمة ولن يستطيع العسكر السيطرة على الوضع بعد الآن، خصوصاً ان كل تظاهرة يدعو اليها رجال الدين والخميني تحشد على الاقل مليوني شخص مستعدين للموت في اي مواجهة.
ولاحظ السفير ان نجاح اي انقلاب يجب ان يمهد له الجنرالات باعتقال الشاه ومنعه من مغادرة البلاد لتتم محاكمته على laquo;جرائمه بحق الشعبraquo; كما كان المتطرفون يأملون.
وخلص السفير الى القول laquo;من الصعب جداً تصور اي شخص يستطيع خلافة بختيار في منصب رئاسة الحكومة، وانا ارى ان فرصة النظام الحالي انتهت الى الابدraquo;.

نصيحة للرعايا

وقال laquo;سأقابل زملائي السفراء غداً للبحث في النصيحة التي يمكن ان نعطيها لرعايا الاتحاد الاوروبي ويمكن ان تكون بالاستعداد الى مغادرة ايران فوراًraquo; بعدما قرر مجلس الامناء اغلاق مدارس المجلس الثقافي البريطاني.
وجاء في سلسلة برقيات وقعها السفير بارسنز ورفعها الى وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة، ان بختيار قدم حكومته امام المجلس طالباً ثقته، في وقت كانت المظاهرات تشتد، ورفع المتظاهرون لافتات جديدة تطالب بمحاكمة الشاه وجميع من شاركوا في الفساد خلال عهوده الطويلة واعلان حكومة اسلامية في البلاد، كما طالب المتظاهرون بمحاكمة الضباط الذين امروا باطلاق النار على المتظاهرين في مختلف المدن الايرانية.
ولاحظ السفير في برقية حملت الرمز 111515زد ان النواب صمتوا عندما قدم لهم بختيار وزير الحرب الجديد الجنرال جعفر شوكت الذي دخل المجلس باللباس العسكري وعلى كتفيه اربع نجوم.
وسبق للجنرال ان كان قائداً للحرس الامبراطوري، ما يعني انه شديد الولاء للشاه، ونائباً لرئيس الاركان ومرافقاً عسكرياً للشاه كما حكم مقاطعة اذربيجان اثر احداث تبريز في فبراير 1978.
وكان بختيار عين الجنرال شوكت خلفاً للجنرال جام الذي استقال لاسباب لم تُعلن، في حين سرت اشاعات عن ان الجيش لم يرض عنه على الاطلاق.
وتساءل السفير بارسنز عما اذا كان الوزير الجديد يستطيع الحصول على ثقة كبار الضباط في هذا الظرف، اضافة الى اعطاء الثقة بان بامكانه اقامة توازن بين مطالب laquo;الثوريينraquo; و laquo;اركان البلاط السابقraquo;.

الاقتصاد يتدهور

لاحظ السفير في برقية لاحقة ان الوضع الاقتصادي يتدهور بشدة والمصارف اصبحت مغلقة كلياً بعدما تراجع البنك المركزي عن تأمين السيولة لها لاضراب موظفيه ومحاولة الحكومة ضبط ما يُسمى هدر رؤوس الاموال.
واشار الى ان الكهرباء بدأت تنقطع عن بعض احياء العاصمة التي قد تعمها العتمة قريباً حتى في احيائها الراقية، ما سيشيع الفوضى ويسمح بعمليات نهب منظمة في غياب اي سلطة فعلية للشرطة والجيش الذي انكفأ الى ثكناته وبعض المراكز الحساسة واحياء السفارات ومبان حكومية اصبح يسكنها كبار الوزراء والمسؤولين.
وقال السفير ان البازار لا يزال مغلقاً ولا امل في ان يعود التجار الى العمل فيه الا فور الحصول على فتوى من رجال الدين، خصوصاً الخميني، الذي استقبل وفداً من ممثلي البازار زاره في مقره الفرنسي.
ومن بين ما ساعد في شل الحركة في طهران والمدن الكبيرة عدم استطاعة الموظفين في القطاع الخاص والحكومي الوصول الى مكاتبهم ومناطق اعمالهم بسبب اضراب النقل العام، وحتى فقدان البنزين وعمليات نهب مسلح، ما جعل الخروج بالسيارة مغامرة خطرة.
ولمّح السفير في برقية لاحقة الى ان احداً laquo;لا يستطيع اعطاء اي تاريخ ممكن لبقاء الحكومة الحالية او الحديث عن مستقبلهاraquo;، لكنه قال laquo;اذا بقيت هذه الحكومة فستستطيع بريطانيا التعامل مع وزراء الاقتصاد والمال والتجارة لأننا نعرفهم جيداً ونستطيع الاعتماد عليهم لتأمين مصالحناraquo;.
وقال laquo;اعتقد انه من غير المناسب تقديم طلبات الى هؤلاء في الوقت الحاضر لأن همومهم تنحصر حالياً في تأمين استمرارية الحكومة المشكوك في شرعيتها بعدما ادانها الخمينيraquo;.
وبسبب امتناع الوزراء عن اتخاذ قرارات، حتى نيل الحكومة الثقة، بقيت ادارات الدولة مشلولة كما ان البنك المركزي يُدار بواسطة نواب حكامه للشؤون الادارية فقط، ولا يتدخل ابداً في الشؤون المالية او للحفاظ على قيمة صرف العملة الايرانية التي تدهورت بنسب 50 في المائة حتى الآن عند صرفها مقابل الدولار او الين. كما ان القطاع الخاص لا يستطيع العمل في غياب السيولة المالية التي يضخها عادة المواطنون وادارات الدولة في الاقتصاد الوطني.

الحلقة المقبلة:
المقابلة الأخيرة للشاه مع دبلوماسي غربي