ثقافة العولمة وعولمة الثقافة

عبدالله التطاوي

من واجب أجيال الأمة أن تعرف الكثير عن المتغير على مستوى العالم الذي تحول إلى كتلة متقاربة المسافات ومترامية الأطراف في آن من خلال ثورة الاتصالات والتراكم المع رفي المذهل كل يوم..

ومن الحتمي في تكوين الناشئة أن تتعايش مع الواقع العالمي الجديد الذي زالت فيه الحواجز، وتلاشت الحدود أمام شبكات المعلومات وزحام الفضائيات في عالم السماوات المفتوحة بكل إملاءاته تحت مسمى حرية التعبير التي طالما اختلطت فيها الأوراق مع ساحات الفوضى، ولم يعد السقف يحترم الثوابت والرموز والمقدسات فحدثت المهاترات والتجاوزات التي يجب إعادة قراءتها بروية وأناة واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأجيال من تداعياتها السالبة.

بذا يصبح من الضروري فهم ثقافة العولمة وتبسيطها للناشئة بعيداً عن أشكال التهويم أو الاستغراق في العموميات مع حتمية التفرقة بينها وبين ما أصلت له ثقافتنا العربية الإسلامية في عصر ازدهارها يوم أن تمتعت بإنسانية العلم فلم تحجز على أصحاب الأديان، ولا الجنسيات، بل كانت مظلتها قابلة لكل المشاركات.. وإلى جانب إنسانيتها كانت موسوعية تشمل حقول العلم النظري والتطبيقي، وتنطلق من عبقرية العلماء الأعلام الذين علموا الدنيا كلها كيف يكون الإنسان إنساناً من خلال إبداعاتهم وابتكاراتهم تحت مظلة احترام الإسلام للعقل وحرية الإنسان. وبذا تجب التفرقة بين ثقافة العالمية وثقافة العولمة لا سيما حين ترمى الأخيرة إلى تهميش الثقافات القومية وتسطيح الفكر القومي، وتدمير لغات الأمم ذات التاريخ العريق أو إزاحة التراث الإنساني من ساحة الوجود، أو التلاعب بأدمغة الشباب ومسخ الهوية، وتشويه الذاكرة، بل ربما محاولة إفقاد الذاكرة من باب التهيؤ للانخراط في محنة عولمة الثقافة.

ومن ثم تبين الفروق بين العولمة الثقافية -تحديداً- وبين غيرها من صور عولمة الاقتصاد أو التجارة أو الصناعة أو الإدارة إلى حيث يمكن للتكتل العالمي أن يجد حصاداً جيداً في ظل تحولات الدنيا كلها في مساق منظومة التطوير والتحديث.. ولكن عولمة الثقافة ترمى إلى مستوى آخر حين تتجه المقاصد إلى الهيمنة الفكرية والوجدانية أو محاولة التهريج الرخيص بمقدرات الأمم أو تجاهل تواريخ الشعوب أو فرض ثقافة القطب الواحد في سوق العمل والشارع العربي بما يحتاج مراجعات وحسابات يمكن أن تنسج طوق النجاة للأجيال القادمة. الفرق بين ثقافة العولمة وعولمة الثقافة هو الفرق نفسه بين منطق الغالب والمغلوب، بين المنتصر والمنهزم، وما أصعب أن تفرط أمة في تاريخها ركضاً وراء مستقبل بلا تاريخ وكأنها تبدو أمة لقيطة لا تعرف أباها الشرعي، ولا تستطيع استعادة ذاكرتها إذا ما فقدتها تحت سطوة شيوع عولمة ثقافات الشعوب إلى حيث يكون القطب الواحد دون سواه!!.