الشاه رفض السفر الى أوروبا وكان يفضل اللجوء الى دولة ملكية عربية!

لندن ــ رائد الخمار

كانت بريطانيا والولايات المتحدة وغالبية الدول الغربية قد شكلت خلايا ازمة للتعامل مع الموقف في ايران بعد اشتداد الاضطرابات فيها وقرب رحيل الشاه عنها الى منفى خارجي مؤقت او دائم، وتسابق السفراء الغربيون في طهران على طلب مقابلات مع رئيس الحكومة المعين شابور بختيار بعدما كانوا يتسابقون للحصول على شرف السلام على الشاه في ايام عرش الطاووس.ويروي السفير البريطاني انطوني بارسنز، في برقية مطولة، ما جرى عندما استدعاه القصر الامبراطوري لمقابلة الشاه في الثامن من يناير 1979، في ما يعتقد انها آخر مقابلات الشاه لسفير معتمد في بلاطه قبل ان يغادر ايران الى الابد.

بدأت المقابلة بالمجاملات العادية ثم بتبادل التحيات وطلب الشاه ابلاغ امنياته بالعام الجديد لملكة بريطانيا وحكومتها. وسألني الشاه عما سأكتبه في تقريري الى الخارجية ورئاسة الحكومة عن هذه المقابلة فاجبته كالتالي:
laquo;اتمنى ان نعيش لنقرأ معا مضمون التقرير الذي سيُكشف النقاب عنه بعد ثلاثين عاماً وغيره من تقاريري التي كتبتها خلال تواجدي في طهران على مدى السنوات الخمس الماضيةraquo;.
واشار السفير الى انه ابلغ الشاه ان كل ما كتبته من طهران يمثل الواقع وكان حقيقياً ولم اتلاعب او اكتب ضد المصالح المشتركة البريطانية الايرانية.
وابلغني الشاه في حسرة laquo;انني اريد المغادرة بعدما اتخذت قراري بذلك، انني اريد ان اغادر اليوم قبل غد، لكن من الصعب اتخاذ قرار المغادرة قبل حصول بختيار على ثقة المجلس، رغم انني على ثقة من ذلكraquo;.

فوضى في طهران

ومع ان الفوضى كانت تضرب طهران ومختلف المدن الايرانية الا انه بدا للسفير ان الشاه آخر من كان يعلم بما يجري بالتفاصيل، وكل ما كان يهمه ان تتأمن الثقة بحكومة بختيار وفق اسلوب ديموقراطي وكما جرت العادة مع الحكومات السابقة رغم ان تأليفها كان يتم بقرار من القصر، والثقة تحصلها من نواب يؤيدون الشاه ويأتمرون بتوجيهاته.
ونقل السفير عن الشاه قوله laquo;ابلغني بعض الوزراء انهم يخشون التوجه الى المجلس اذا كان الشاه قد غادر، وعلى هذا الاساس قررت البقاء حتى اللحظة التي يحصل بختيار على الثقة المتوقع الاقتراع في شأنها خلال اسبوعraquo;.
وسأل السفير الشاه عما اذا كان بامكانه التحدث اليه كصديق وليس كممثل للحكومة البريطانية فسمح لي بذلك. وابلغته انني لم اطلب مقابلته في الاسبوعين الاخيرين كي لا يُقال اننا نتدخل في قرار المغادرة ام البقاء، ولم احضر الى القصر سوى عندما علمت بقراركم المغادرة الى الخارج.
وبدأ السفير حديثه laquo;من القلبraquo;، كما قال، بالاشارة الى ان مختلف الامور كانت تصب دائماً وتتركز على شخص الشاه، وما اذا كان سيعتزل الحكم ام يُغادر الى الخارج ويترك الحكم في عهدة مجلس وصاية او في عهدة الحكومة.

رجال الدين يتقدمون بسرعة

وابلغته صراحة ان الشعب الايراني لن يقتنع بان شيئا تغير مادام الشاه لا يزال في البلاد التي تعيش حالياً حالاً من الفوضى والضياع!
وقلت للشاه laquo;ان الامل الوحيد في امكانية نجاح حكومة بختيار ونجاة الامبراطورية يتمثل في انتهاء التشنج في البلاد عبر مغادرة الشاه الى الخارجraquo;.
واضفت laquo;كلما بقي هذا الوضع سائداً تراجعت فرص نجاح مهمة بختيارraquo;.
واشرت الى ان laquo;احداً لا يستطيع ضمان نجاح بختيار ونجاته.. ان الاخطار كثيرة ورجال الدين يتقدمون خطوات سريعة اكثر من تقدم الحكومةraquo;.
وأعرب السفير عن امله بنجاح حكومة بختيار laquo;لأن الامل فيها والا ستعم الفوضى التي ستقود ايران إلى المجهولraquo;.

الشاه يشكك بقوة خصومه

وابدى الشاه اتفاقه مع تحليلي لما يجري وان كان اختلف معي في بعض التفاصيل في شأن قوة رجال الدين. وسألني الشاه عما اذا كانت الحكومة بحاجة إلى ثقة البرلمان في ظل الازمة الحالية، فاجبت نعم في الشكل الدستوري ليحكم وفق الدستور، لكن الشعب الايراني حالياً لا يهتم ابداً بهذه الشكليات خصوصاً في مجلس اسقطه الشعب من الحسبان.
وأبلغت الشاه اعجابي وتقديري بقراره الصائب بالمغادرة وقلت له كلما استعجلتها كان افضل وعلى بختيار العمل بسرعة قبل فوات الاوان.
وقال الشاه تعليقاً على ما سمعه laquo;انني على ثقة ان بختيار قادر على الحكم ونصحته بالمبادرة قبل الحصول على الثقة لكنه تمهلني حتى انتهاء التصويت قائلاً انني اريد الحفاظ على الشرعية الدستورية كي لا اعطي احداً وقوداً لاستخدامه ضديraquo;.

فرح ديبا تتدخل

وتحدث الشاه عن القوات الامبراطورية المسلحة وعن رفض الجنرال دجام قبول منصب وزير الدفاع لانه laquo;راى في بختيار عدم الكفاءة للمهمة الصعبةraquo; ويبدو ان فرح ديبا تدخلت مع الجنرال للقبول لكنه رفض بناء على نصائح من اصدقائه في الداخل والخارج!
واشار الشاه إلى ان بعض الضباط الكبار الذين يؤيدون بقاء ايران ملكية يريدونني الا أغادر تحسباً من تشتت القوات الامبراطورية وتقسمها وانفراط عقدها. ولم يبد الشاه اي اهتمام بما يجري من بعده في الجيش، وبدا ان كل همومه تتركز حالياً على المغادرة في اسرع وقت ممكن لضمان سلامته وسلامة عائلته.
وقال السفير laquo;سألني الشاه عما اذا كنت اعتقد بانه يجب ان يغادر على مرحلتين الاولى إلى بندر عباس حتى يحصل بختيار على الثقة والثانية إلى الخارج بعد نيله ثقة المجلسraquo;، واجبته laquo;انها فكرة غير سليمة على الاطلاق لانه اذا عرف انك غادرت طهران إلى مدينة اخرى ستقوم القيامة اكثر وسيتهمونك انك تقاوم التغيير الذي يطلبونه ويجعل مهمة بختيار اصعبraquo;.
ونصحت الشاه بتنفيذ الخطة بصورة سليمة والطلب من الجنرالات ان يقسموا امامه قبل ان يغادر بمساندة حكومة بختيار.
ولما سألته عن وجهته المقبلة اجاب laquo;حتماً ليس إلى اوروبا.. ان غالبية العائلة أصبحت في الولايات المتحدة حالياً حيث بالامكان تأمين حمايتها افضل من اي بلد في اوروبا، وبالنسبة لي اعتقد انني اريد ان أسافر إلى دولة ملكية عربية وحتى الآن لم يتقرر شيء بعدraquo;.
وطلب مني الشاه الا ابلغ حكومتي بما جرى من حديث بيننا على اساس انه حديث شخصي وعلى هذا الاساس ارجو عدم توزيع هذا التقرير كما جرت العادة وانا سأحتفظ بمضمونه ولن اتشارك مع الاميركيين بما جرى وسأكتفي بابلاغهم عموميات.
وبعد ايام أبلغت السفارة وزارة الخارجية ان الوقود والبنزين تحديداً يتناقص في ايران بسبب الاضرابات العمالية، واتجاه عدد من رجال الدين إلى خزنه ومن ثم استخدامه في الثورة لاسقاط حكومة بختيار.
وبدا ان النقابات العمالية تأتمر حالياً بتوجيهات مهدي بازركان الذي اصبح اكثر راديكالية واكثر تبعية لتوجيهات الخميني ما يعني انه موعود بمنصب مهم في اي حكومة سيأمر بتشكيلها رجال الدين.
وقال السفير في برقية حملت تاريخ 15 يناير ان مخطط الخميني يتمثل بالسيطرة على المؤسسات الاقتصادية، والنفطية تحديداً، للتحكم في حكومة بختيار او اي حكومة ستُشكل بعدها laquo;لأن من يتحكم بالمال يتحكم بالعبادraquo;.
وبدا ان التقويم الذي اعطاه السفير عن الوضع في طهران وايران عموماً انها تتجه إلى فوضى ستُحسم باتجاه تسلم رجال الدين السلطة لان المؤسسة الدينية هي الوحيدة المنظمة القادرة على الامساك بالسلطة وتأمين التفاف الايرانيين حولها بكل قوة وثبات وهي الوحيدة القادرة على التصدي للفوضى وتأمين وحدة الاراضي الايرانية في وجه تيارات تقسيمية يقودها الشيوعيون واليسار المتطرف.
وشدد السفير في برقيات متلاحقة على اهمية فتح حوار مباشر او بصورة غير مباشرة مع الخميني في فرنسا.

الحلقة المقبلة
خطط الجلاء البريطاني عن إيران