خطة لتصويب وضبط النسخة الإنجليزية من laquo;ويكيبيدياraquo;

لندن - عدنان عضيمة

قبل عقود قليلة تُعدّ على نصف أصابع اليد الواحدة، كان يتعيّن على الباحث الحقيقي أن يمتلك مكتبة خشبية ضخمة تحتل مساحة عدة جدران من بيته، وتنوء بأعداد غير قليلة من المجلّدات الورقية السميكة المغلّفة بالكرتون المضغوط والتي تسمى الموسوعات، حتى يتمكن من البحث عن المعلومات التي يحتاجها. ولم يكن من الممكن بالنسبة للباحث أن يحمل معه مثل هذه الأشياء الثقيلة عندما يغادر بيته حتى تبقى هذه المراجع تحت اليد عند الحاجة إليها.

اليوم، تأتي الموسوعات الإلكترونية لتغني البشر عن مكتباتهم المادية، وتفتح أمامهم المغاليق المعرفية ببضع ضغطات على لوحة مفاتيح الكمبيوتر الدفتري المحمول أو laquo;اللاب توبraquo; أو حتى على أجهزة الهواتف الذكية مثل laquo;آي فونraquo; وraquo;بلاك بيريraquo;.

أهواء شخصية

السؤال المهم الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكن الوثوق بصحّة وصدقية وحيادية هذه الموسوعات؟ وهل يمكن أن نعتمد عليها للوصول إلى الحقائق المجرّدة؟

لقد كتب لمثل هذه الأسئلة أن تطرح على نطاق واسع عندما عمد الخبراء إلى تقييم تجربة إنشاء المحتوى المعرفي لموسوعة laquo;ويكيبيدياraquo; على الإنترنت wikipedia.com والتي أثارت الكثير من الجدل بسبب طريقة إنشائها في عام 2001 من حيث السماح لكل من هبّ ودبّ بإضافة المعلومات وفقاً لأهواء ومعتقدات شخصية كثيراً ما تنأى عن الصحّة وتبتعد عن الحقيقة.

وتوصف laquo;ويكيبيدياraquo; بأنها الموسوعة الإلكترونية الوحيدة التي أنشأها مستخدموها بأنفسهم، إلا أنها تمكنت من استقطاب أعداد ضخمة من الزوّار حتى أصبح موقعها يحتل المرتبة الخامسة عالمياً من حيث عدد زائريه، وهي الآن تمثل المصدر المرجعي الأول بالنسبة لطلاب المدارس وحتى الجامعات في الولايات المتحدة.

وكثيراً ما يعبّر مؤسسها وأبوها الروحي جيمي ويلز عن افتخاره بها فيصفها بقوله: laquo;لقد أصبحت (ويكيبيديا) جزءاً أساسياً من البنية التحتية لشبكة الإنترنتraquo;. وحتى يعبّر ويلز عن المنزلة العالمية الرفيعة التي أصبحت تحتلها موسوعته عبر العالم، يشير إلى أن نسختها الناطقة بلغة محلّية متداولة في السينيجال تدعى laquo;وولوفraquo;، تشهد كل يوم 1000 عملية دخول.

عودة إلى الحقيقة

يشير المحلل ريتشارد ووترز في تقرير نشرته صحيفة laquo;فاينانشيال تايمز، إلى أن laquo;ويكيبيدياraquo;، أطلقت مؤخراً خطة لتطوير وإعادة ضبط المحتوى المعرفي للنسخة الإنجليزية. وتتضمن المرحلة الأولى من هذا المشروع المعقد والمضني، إعادة تصويب المعلومات والبيانات في أكثر من 3 ملايين مقالة مدوّنة في الموسوعة. ومن أجل تنفيذ هذه الخطة، عمدت إدارة موقع laquo;ويكيبيدياraquo; مؤخراً إلى تعيين محررين وخبراء ومتخصصين في العديد من أفرع العلوم والمعارف للقيام بتصويب وضبط المعلومات والبيانات الواردة فيها.

وليست فكرة تصويب المعلومات في laquo;ويكيبيدياraquo; بجديدة، بل إنها ولدت أصلاً قبل 18 شهراً عندما طرحها زوّار النسخة الألمانية للموقع. وبقيت الفكرة محل نقاش طويل عندما عمد مجلس إدارة الموقع إلى مناقشة الأسلوب المعقد الذي ستتم بموجبه عمليات التصويب والتصحيح. والآن، يمكن للمرء أن يلاحظ بعض التغييرات الإيجابية التي طرأت على المعلومات ذاتها وعلى أساليب إعادة صياغتها وإدراجها في المحتوى. ويوحي هذا بأن الخطة المبرمجة قد دخلت مرحلة التنفيذ الفعلية.

وكانت شركة laquo;جوجلraquo;، التي تحرص على laquo;أن يكون لها في كل عرس رقمي قرصraquo;، قد عمدت إلى إطلاق موسوعة إلكترونية خاصة بها بحيث تكون شبيهة بموسوعة laquo;ويكيبيدياraquo; وأطلقت عليها اسم laquo;نولraquo; Knol، إلا أنها لم تتمكن من اجتذاب أكثر من 100 ألف مقال من خلال مشاركات المستخدمين؛ وتعمّدت laquo;جوجلraquo; التباطؤ في الكشف عن هذه النتيجة المخيّبة حتى آخر لحظة حين أقرّت قبل أيام بأن مشروعها الجديد لم يحقق أي حظ من النجاح.

مؤهلة للفوز

وفي معرض النقاش حول صدقية المعلومات التي تنطوي عليها laquo;ويكيبيدياraquo;، يتساءل كريج نيومارك مؤسس شركة laquo;كريجزليستraquo; المتخصصة في طرح الإعلانات المبوّبة على موقعها: laquo;كم من المطبوعات والموسوعات التي صدرت خلال تاريخ البشر المدوّن والتي يمكن للمرء الوثوق بها بشكل مطلق؟ لقد تعرّضت كلها لأنواع من الخلط أو عدم الدقة أو حتى الخطأ؛ إلا أن الشك والخطأ، لطالما كانا يمثلان جزءاً لا يتجزأ من الحقيقة التي يأخذ بها البشر منذ الأزلraquo;. ويعتقد نيومارك أن الجهود التي تبذل الآن من أجل إعادة تصويب محتوى النسخة الإنجليزية من laquo;ويكيبيدياraquo; سوف تجعل منها موسوعة مؤهلة للفوز بثقة كل إنسان.

والسؤال الذي يجدر طرحه بعد استعراض الخطوط العريضة لمشروع تصويب النسخة الإنجليزية من ويكيبيديا: وماذا عن النسخ المدوّنة باللغات الأخرى بما فيها العربية؟، ومن الذي سيكلّف نفسه عناء تنظيفها وغربلتها مما اختلط فيها من شوائب وشكوك؟

عن صحيفة (فاينانشيال تايمز)