الأرشيف البريطاني:الخميني حاقد على الشاه والغرب اللذين سرقا إيران والفقراء( 8 )

لندن - رائد الخمار

في الثامن عشر من يناير 1979 تسلم وزير الخارجية البريطاني دايفيد اوين تقريراً مفصلاً من 10 صفحات كتبه السفير انتوني دايفيد بارسنز عن الموقف في ايران، عرض فيه لفصائل المعارضة والحركة الدينية وعلاقة الشاه مع الشعب ورجال الدين في هذا البلد المسلم الشرقي ودور الخميني، الذي لا يهادن والحاقد على الشاه والغرب الذي دعمه واعتقد انه نهب اموال الفقراء المسلمين في هذه الدولة الفارسية، اضافة الى دور الجيش والقوات الامبراطورية في الحفاظ على العرش وفي دعم الحكم الجديد.
وعلى التقرير، الذي حمل الرمز laquo;ان بي بي011/1raquo;، ملاحظة من وزير الخارجية بخطه ينصح رئيس الوزراء جيمس كلاهان بقراءة التقرير laquo;الجيد جداً والذي يتضمن اكثر من معلومة جديرة بمعرفتها تمهيداً للمستقبلraquo;.

الشاهد الخبير

استعرض السفير، الذي قال انه laquo;الشاهد الخبيرraquo; منذ منتصف الحرب العالمية الثانية من خلال عمله في منطقة الشرق الاوسط، في مقدمة التقرير مجريات الامور في دولتين مسلمتين يؤيدهما الغرب، الاول كان في عام 1964 عندما سقط الجنرال عبود في السودان عبر حركة اضرابات شعبية مهدت لانقلاب عسكري. والثاني خلال الشهور الاخيرة في ايران laquo;حيث اعمل واتابع بانتظام سلسلة الاضرابات التي تركت عرش الطاووس من دون هيبة وقوة لفض سلسلة اضرابات شعبية واهلية منعت اي حل اقترحه الشاه وتواصلت حتى رحيله الى المنفى في السادس عشر من الشهر بعدما مرغت كبرياءه في الارض ولم تستطع قوى الجيش والشرطة السرية ارغام الناس والجائعين على الخضوع رغم سقوط مئات القتلى الذين اعتبرتهم الجموع شهداءraquo;.
واشار السفير الى انه laquo;لو استطاع الشاه جمع شعبه من حوله واستخدام زخمهم في عمل ايجابي بدلاً من احتفالات تأليه نفسه كان يمكن ان اكتب قصة اخرى تطال منطقة الخليج بأكملهاraquo;.

نظام وحكم وحكام

ان الشرق الاوسط لا يعرف ما نصفه بـlaquo;استقرار الحكمraquo; لا يفرقون (حاكم ومحكومون) بين النظام والحكم او الحكام واذا اراد الشعب تغيير النظام يجب ان يغيروا الحكام حكماً ولا وسيلة لذلك سوى بالعنف. ان استقرار اي نظام في الشرق الاوسط يرتكز على عاملين الاول القوات المسلحة والثاني الولاء، واي خلل في احد العاملين ينتهي بسقوط الحكام واستبدالهم بالقوة.
وفي العامل الايراني كنت اعتقد على الدوام ان الشاه استطاع الحفاظ على ولاء القوات المسلحة، كما استطاع الى حد ما الحصول على دعم شعبه عبر تقييد الاعلام وتسخيره للعمل لمصلحته مع تقديم بعض العطايا والتحديث للمجتمع الايراني. وكان هدف الشاه منذ عام 1977 تحويل ايران الى دولة على الطراز الغربي وتحديثها لتصبح قبلة للشرق والغرب ومن ثم تصنيعها لتستطيع الاعتماد على نفسها ذاتياً. لكن بعض الامور سارت خلافاً لما يريد ومن ثم بدأ التخبط بسبب قلة خبرة المستشارين واطماع بعض العاملين في البلاط وطبقة السياسيين الفاسدين.

قصر نظر

ولم نستطع في الغرب، الذي كان يقدم النصيحة للشاه احيانا، تقدير حجم المعارضة، خصوصاً الحركة الاسلامية، واهدافها في ظل نظام صارم لا يعرف المهادنة يرأسه شخص لا يرحم ويريد تطبيق برنامجه من دون مشاورة احد.
لقد رأينا كيف ان الحركة الطلابية تنامت، وكيف ابتعدت عن النظام الذي ابتعد عنها بدوره على اساس انها laquo;شيوعية ومخربةraquo;، ولم يستمع اليها النظام على الاطلاق وتركها عرضة لتيارات عدة استخدمتها وفق اهوائها، ولم تنفع مع الحركة الطلابية الوعود بوظائف من دون اعطائها حق التعبير عن النفس.
كذلك لم يتفهم النظام دور رجال الدين وتعارض اصلاحاته مع مصالحهم ودورهم الديني والاجتماعي في بلد لا يزال المرء يرى ما يقوله رجل الدين بانه منزل من الله. وكان خطأ الشاه كبيرا عندما حاول مزج معتقدات فارسية بالمذهب الشيعي والتحديث الغربي، فأثار عليه رجال الدين وطبقة المؤمنين في ايران.

سرقات وفساد

كذلك انعكست سنوات الرخاء في السبعينات، وتحديدا بعد ارتفاع اسعار النفط اثر حرب 1973 وتدفق الاموال الهائلة على خزائن الشاه في العامين 1974 و1975، سلبا على صورة النظام الذي رأى اتساع الفارق والهوة بين الفقراء والاغنياء، كما بدأ الايرانيون يتحدثون عن الفساد والسرقات بعدما شاهدوا بعيونهم الفارق الكبير بين من هم فوق ومن هم تحت. كما خاب ظن الملايين الذين تركوا الريف الى المدن طمعا بحياة افضل، في حين ان محاولات النظام انهاء دور البازار ادى الى مفعول عكسي جدا، لان البازار متجذر لا يمكن استبدال به حفنة من المصفقين والبطانة المحيطة بالشاه.

إلى الوراء

ولم يساعد البطش الذي انزله السافاك بالناس الحكم بل زاد العداء له، خصوصا بعدما وصلت الموسى الى طبقة متنورة من رجال الدين الشبان الذين عرفوا كيف يحاربون النظام باسلحته.
ولاحظ التقرير ان الاضطرابات والاضرابات في الشهور الخمسة الاخيرة اعادت ايران خمس عشرة سنة الى الوراء عندما انتهت مشاريع الشاه التحديثية التي كانت ستنقل البلاد الى القرن المقبل.
وحتى عام 1960 لم تكن ايران دخلت عهد الحداثة، حتى في مستوى دول الشرق الاوسط في تلك الفترة، اذا تمت مقارنتها بمصر وسوريا والعراق (...). وقال السفير انه يتذكر كيف كان العراقيون ينظرون في الخمسينات الى الايرانيين وكأنهم يعيشون في مجاهل افريقيا على رغم ان ايران كانت من بين اوائل الدول التي بدأت تصدير النفط. وكان دخلها من النفط صغيرا بالمقارنة مع حجمها مع قلاقل سياسية سبقت وصول الشاه الى الحكم. ولم يستفد الشعب من الدخل النفطي في سوى النصف الثاني من القرن عندما اطلق الشاه ثورته البيضاء لتحديث البلاد.

خطايا رجال الدين

وعلى مدى السنوات الـ 15 الماضية تم تحديث البلاد، واعادة توزيع الاراضي واعطاء المرأة حقوقها كاملة. ولا بد من الاعتراف ان نظام الشاه حدّث البلاد واسس مدارس عالية الجودة حتى في المناطق النائية، كما منح العمال حقوقهم واقام شبكة ضمان اجتماعي وصحي استفاد منها الجميع.
ومع نجاح سياسة الشاه في القطاع النفطي، الذي ساهم ايضاً في صناعات تحويلية مثل البتروكيماويات، فإن سياسته الزراعية كانت كارثية، في حين طور شبكات الاتصالات والمواصلات. ومع ان الفساد رافق الانفاق الحكومي في مجالات عدة فإن النتيجة كانت ايجابية جداً.
واعتقد الشاه ان ثورته التحديثية الكبيرة في الستينات والسبعينات تنقذ الايرانيين من بعض المعتقدات الدينية والتقاليد الجوفاء التي ينادي بها الملالي مما يقلل من فعالية رجال الدين وتأثيرهم في عقول السكان.
كما اعتقد ان العطايا لطلاب الجامعات والوعود بمنحهم مزايا في الاقتصاد الجديد تُبعدهم عن الشيوعية والتطرف و laquo;خطايا رجال الدينraquo; لكن يبدو انه كان مخطئاً جداً في حساباته.

توريث الابن

واعترف السفير انه كان يعتقد بامكانات تسليم الشاه السلطة لابنه في الوقت المناسب بسبب الولاء الكامل للقوات المسلحة. ويبدو انه كان يخطط للاعتزال في نهاية الثمانينات وتسليم الامير رضا العرش في امبراطورية دستورية حديثة.
وكنت اعتقد دائماً ان الشاه حكيم قادر على اقامة توازن بين استقلالية الحكومة المنبثقة عن انتخابات عامة حرة وأهمية العرش، لكنه عندما حاول تسريع الليبيرالية في عام 1974 ووقت البحبوحة النفطية عاد واصطدم بالتقليديين بعدما تراجعت موارده المالية وقلل الانفاق.
ووصف السفير الشاه بانه laquo;كان يعرف ما يريد المجتمع الايراني لكنه كان الرجل الخطأ في التطبيق او للمهمةraquo;.
وقال laquo;انه فعال جداً يستطيع ان يكون الرئيس التنفيذي لمؤسسة دولية كبرى في الغرب وقادر على تحقيق ارباح ومكاسب لحاملي الاسهمraquo;. ومع انه كان منفتح على الاجانب والمستشارين ورجال البلاط والحاشية، فإنه كان يفتقد كاريزما مخاطبة الجماهير، وكان حسب ما اعرفه يتهيب الجموع المحتشدة ويخشاها ويبدو امامها شديد الحياء.
ومع تقدمه بالسن، وارتفاع نسبة المنافقين حوله، ازدادت عزلته واصبح لا يرتاح الا مع قلة من الناس واصبح رهينة في ايدي زوجته الامبراطورة فرح التي عبدها عندما انجبت له ولي العهد.

الحلقة المقبلة
الثانية من تقرير عن حكم الشاه والمرحلة الانتقالية