أحمد الصراف


لا شك ان أحلام الشعب الإيراني بنظام أكثر عدالة وقوانين أكثر إنسانية وحياة أكثر حرية قد ضاعت، ربما منذ اليوم الأول لتبوؤ الخميني الحكم. فبعد ثلاثين عاماً من الثورة، ومهما حاولنا تبرير الوضع الكارثي الذي وجد الشعب الإيراني نفسه فيه بعد كل سنوات العذاب والمعاناة تحت حكم الشاه، لا يبدو ان إيران تعيش أياماً أحسن مما كانت في عهد الملكية، فالفقر لايزال منتشراً في مناطق كثيرة من إيران، والحريات مراقبة، والبوليس السري يعدّ أنفاس الجميع، والسجون تمتلئ بالأبرياء والمعتقلين السياسيين، ويبدو واضحاً ان رجال الثورة وقادتها، الذين أكلوا بعضهم بعضا في تصفيات جسدية، قد استبدلوا بدكتاتورية الشاه الطغيان الديني، الذي قد لا يكون أكثر بطشاً لكنه حتماً أكثر تخلفاً! وعندما يقف الممثلون السينمائيون ومخرجو الأفلام والشعراء وكتاب الرأي والصحافيون ومقدمو البرامج التلفزيونية والروائيون والرسامون وجمع هائل من النشطاء السياسيين والأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعة وشيرين عبادي، الفائزة بجائزة نوبل، وجمع كبير من المبدعين الآخرين ضد النظام فمآله الى السقوط، حتى لو كانت شرعيته تعتمد على العقيدة الدينية أو السياسية المدعومة بالبندقية! هكذا كان حال ومصير جميع الأنظمة الدكتاتورية، الشيوعية والفاشية في الكثير من الدول، وهذا ما سيحدث عاجلاً أو آجلاً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أول دولة ثيوقراطية في التاريخ الإسلامي.
فبعد 30 عاماً من الثورة المباركة لا يزال نزيف الهجرة البشرية مستمراً في تجفيف فواصل الدولة من الكوادر المؤهلة والمتعلمة والخبرات التي اختارت الهرب بالطرق القانونية، لمن امتلك المال أو النفوذ، وبغير ذلك للفقراء والمعدمين، الذين باسمهم قامت الثورة، والذين لقي 15 منهم مصرعهم على أيدي شرطة النظام في يوم مقتل الحسين نفسه الذي تعتبر مناسبته ذروة الحزن الشيعي وقدس أقداس عزائه!
لقد تنبأت في ندوة أقيمت في بداية عام 1990 بسقوط نظامي صدام والخميني، وكنت أدين موقفي الطرفين من حرب الخليج الأولى، إن من جهة من بدأها أو من أصر على استمرارها كل ذلك الوقت! وتسبب ما قلته وما شاركت فيه من مناقشات تالية، في أكثر من مناسبة، في وقوع تصادم لفظي بيني وبين السفير العراقي عمر غني، الذي نقل من منصبه قبل الاحتلال العراقي للكويت وأعيد اليها لمصادرة وثائق الحكومة الكويتية، والذي تسببت عودته القصيرة في القضاء على ترددي في الخروج من الكويت بعد وصوله بيوم واحد.
إن ما يحدث في إيران من غليان وقتل وفيضان الاعتقالات السياسية التي طالت كل الأطراف هي مؤشرات واضحة ان النظام الديني لا يمكن أن يسقط بسهولة وإن اضطر لدحرجة الكثير من الرؤوس في سبيل بقائه، وهذه الرؤوس هي التي ادعى النظام أنه انقلب على الشاه للمحافظة عليها.