أحمد يوسف أحمد

يدخل النظام العربي عامه الجديد بخطى بالغة التعثر مردها الأساسي ما كان قد ألمَّ به في العام المنصرم دون قدرة حقيقية على المواجهة السليمة، من عجز عن مواجهة العدوان الإسرائيلي الإجرامي على غزة، إلى تفتت في بنية العلاقات الشعبية العربية على النحو الذي أطل بوجهه القبيح بعد أزمة العلاقات المصرية- الجزائرية، إلى عقم كامل متوقع في جهود تسوية الصراع العربي- الإسرائيلي، إلى تفاقم ظاهرة التفتيت وعدم الاستقرار في عدد من الأقطار العربية.

ولعل من أخطر الخلاصات التي يمكن أن ننتهي إليها من مسيرة النظام العربي في العام المنصرم أن التناقضات البينية العربية بدت وكأن لها الأولوية على التناقض العربي- الصهيوني، أو التناقض مع بعض القوى الإقليمية الأخرى. وقد بدا هذا واضحاً إبان العدوان على غزة في نهاية عام2008 وبداية 2009 حيث خُيل للمراقب أن الصراع عربي- عربي وليس عربياً- صهيونياً، إذ اتهمت المقاومة بأنها السبب فيما جرى، وانقسمت الدول العربية بناءً على ذلك بين فريقين، لأن محصلة الصراع بينهما -كما بلغ ذروته في الانشقاق حول عقد قمة استثنائية للنظر في أمر العدوان- كانت صفراً، والدليل أن قطاع غزة بقي على حاله على رغم مرور عام كامل على وقف إطلاق النار، فلا حصار رفُع، ولا إعادة إعمار تمت.





ومن ناحية أخرى انتهى العام كما هو معلوم بجدل واسع وحاد حول نية الحكومة المصرية -التي شرع في وضعها موضع التنفيذ بالفعل- إنشاء جدار فولاذي تحت الأرض للقضاء نهائياً على ظاهرة الأنفاق، ولما كان هذا الجدار -أياً كان الخلاف حول اسمه- يقع على الحدود بين مصر وقطاع غزة فحسب فإن معناه الوحيد أن الرؤية الرسمية المصرية تعتبر أن قطاع غزة وما يجري فيه يمثل تهديداً لأمن مصر فيما لا تعتبر هذه الرؤية الحدود المصرية- الإسرائيلية تنطوي على تهديد مماثل، وهي مسألة موضع نظر.

وكذلك فإن المرء عندما يقارن رد الفعل العراقي الرسمي الهادئ والمتعقل على انتهاك السيادة العراقية من قبل إيران بسيطرة الأخيرة على إحدى آبار حقل quot;الفكةquot; العراقي برد الفعل العاصف ضد سوريا في أعقاب عودة التفجيرات الدموية واسعة النطاق إلى العراق، واتهامها -دون سند قانوني حتى الآن- بأنها ضالعة في هذه التفجيرات يكتشف على الفور أن ثمة خللاً فادحاً في العلاقات العربية- العربية يعلي تناقضاتها على التناقضات الإقليمية، ويفسح المجال من جديد لعودة صراعات عربية- عربية مزمنة، كالصراع السوري- العراقي الذي ميز العلاقة بين البلدين طيلة عهد صدام، وكان الكثيرون يتصورون أن اختفاءه من المسرح السياسي -بغض النظر عن الوسيلة التي تم بها هذا الاختفاء- سيعيد اللحمة إلى هذه العلاقات، وينطبق الأمر نفسه على العلاقات العراقية- الكويتية، وبدرجة أقل على العلاقات العراقية- السعودية.

وأخيراً وليس آخراً فإن مسلسل التفتيت في النظام العربي قد استمر، فبقي الصومال على حاله، وتفاقم الخطر ثلاثي الأبعاد (الحراك الجنوبي -الحوثيون -القاعدة) في اليمن، بل وامتد إلى السعودية، وبدا السودان ماضياً في طريقه بخطى ثابتة نحو الانفصال في العام القادم، واستمر الانقسام المؤسف بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; في فلسطين، ولم يحقق العراق تقدماً نوعياً في ملف وحدته الوطنية.

ولا تقل عما سبق خطورة الزيادة الهائلة في نشاط القوى الإقليمية الصاعدة داخل الوطن العربي وبصفة خاصة تركيا وإيران. صحيح أن هاتين القوتين تتبنيان بعض أهداف النظام العربي في صراعه مع إسرائيل، وهو ما جعل الكثيرين يرحبون بصعود دوريهما داخل النظام، إلا أن أبجديات السياسة الدولية تشير إلى أن لكل منهما مشروعها الخاص الذي وإن تقاطع مع quot;المشروع العربيquot; -إن كان ثمة مشروع عربي أصلاً- إلا أنه من البديهي أن تكون هناك مساحات تعارض أساسية في بعض الأحيان، وربما يبدو هذا أوضح في الحالة الإيرانية، لكنه يبقى صحيحاً في الحالة التركية كذلك.

ويبدو النظام العربي أمام كل ما سبق وكأنه فاقد وعيه أو مسلم بعجزه. ولذلك فإن المخرج نظرياً يكمن في إعادة اللحمة إلى الصفوف العربية من جديد، وهو هدف ميز تحركات العاهل السعودي طيلة العام المنصرم، فنجح -كما في المصالحة السعودية- السورية ومن ثم السورية- اللبنانية، ولم تنجح المصالحة كما في الحالة المصرية- السورية بصفة خاصة على رغم ما بذله من جهود. وبصفة عامة فإن المصالحات التي تحققت بدت أقرب إلى رتق ثقوب هنا أو هناك في النظام العربي دون أن تكون قادرة على بعث الحياة إليه من جديد.

والحاصل من كل ما سبق أن النظام العربي يدخل عام 2010 دون أدنى مؤشرات على تحسن في الأداء، فالأمور تسير سيرها المعتاد، وكأن هذا النهج قد أفلح في مواجهة الخطر وتحقيق الأهداف. فما زال الكثيرون يتحدثون عن تسوية سلمية مع نتنياهو بوساطة أميركية رغم كل ما نعرفه، ويأملون في مصالحة بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; على رغم التناقض الصارخ بين مشروعيهما السياسيين، ويواجهون مخاطر التفتيت القُطر ي بالأساليب نفسها التي ثبت عقمها. ولما كانت اتجاهات التطور الطبيعي داخل النظام العربي لا تنبئ بخير فإن الأمل يبقى في حدث خارج عن المألوف أو في طفرة لا يمكن التنبؤ بحدوثها علمياً. ويعني ما سبق كله أن الغموض يكتنف مصير النظام العربي في مستهل عام جديد