راجح الخوري

عندما كان باراك اوباما يلتهم البوظة يوم الاحد الماضي في هاواي، كان مستشاره لمكافحة الارهاب جون برنين quot;يستفرغquot; عبر شاشة quot;C.N.N.quot; كلاما لا يليق بعقل متحضر، اذ قال quot;ان الولايات المتحدة الاميركية قررت ان تبيد تنظيم القاعدة عن بكرة ابيهquot;.
ربما استعار برنين عقلا من quot;طالبانquot; او من احد عناصر quot;القاعدةquot; لكي يسمح لنفسه بالحديث هكذا علنا عن quot;الابادةquot;. كان في وسعه مثلا ان يستعمل كلمة quot;الهزيمةquot; او quot;القضاءquot;.
نقول هذا، لان كلمة quot;ابادةquot; تمثل عودة الى البربرية التي تمارسها quot;القاعدةquot;، عندما تحاول مثلا تفجير طائرة بمن فيها من الابرياء كما حصل اخيرا على يد النيجيري عمر عبد المطلب الذي حاول نسف طائرة اميركية فوق ديترويت.
ان محاربة quot;القاعدةquot; والارهابيين تحتاج عمليا، الى اليقظة والاستعداد الدائم والتنسيق الدقيق على مستوى شبكة متصلة بين الاستخبارات في عدد كبير من الدول، كما تحتاج الى الحنكة والعمل السري والابتعاد عن الاسلوب quot;البوشيquot; (نسبة الى جورج بوش) الذي تميز بالاستعراضية الفارغة.
واذا كان برنين لم يتردد في الحديث عن quot;الابادةquot; فانه سيستثير عطف البعض حتى على الارهابيين، من منطلق الاقتناع الوجداني العالمي العام بان الابادة هي اغراق في الوحشية والبربرية. وهنا قد لا يتوانى البعض في طرح السؤال الآتي:
اذا كانت اميركا تريد فعلا ابادة عناصر quot;القاعدةquot; عن بكرة ابيهم، فلماذا تقوم الآن ومنذ فترة بارسالهم من معتقل غونتانامو الى اليمن وغيرها من الدول؟ لماذا لا تقضي عليهم هناك او تبقيهم في الاعتقال على الاقل؟


❑ ❑ ❑

في اي حال لقد جربت اميركا حتى الآن ثلاثة انواع من الحروب ضد quot;القاعدةquot; وquot;طالبانquot; والارهاب.
النوع الاول هو الحرب المباشرة كما يحصل في افغانستان، وهي حرب تتجه نحو الخسارة بدليل ان كل العمليات العسكرية والسياسية هناك لم تتمكن من إلحاق هزيمة نهائية بهؤلاء.
النوع الثاني هو الحرب بالواسطة في باكستان حيث تشن السلطة حربا ضد حركة quot;طالبانquot; على حدود افغانستان بمعاونة اميركية، وهي حرب توسّع حلقة النار لتشمل كل انحاء باكستان.
النوع الثالث هو quot;الحربquot; او بالاحرى العمليات المنتقاة والمحكمة ضد تجمعات ومخابئ لرجال quot;القاعدةquot; في اليمن، بالتعاون طبعا مع الحكومة اليمنية، التي قد تتفرغ عمليا لهذه الحرب، بعد الحديث عن امكان قيام مصالحة مع الحوثيين، الذين تكبدوا خسائر جسيمة في حربهم السادسة ضد صنعاء، وربما لان ايران التي تدعمهم وتقف وراءهم تتخوف الآن من تجذر وجود quot;القاعدةquot; في اليمن، وفي الصومال جنوبا بما قد يجعلها تكتوي بنار تنفخ فيها، لانها وسط كماشة من التطرف السني يمتد من باكستان وافغانستان ووسط العراق الى اليمن والصومال.
في اي حال، لا تستطيع واشنطن ان تتحدث بلغتين في الاشارة الى الاخطار الكبيرة والداهمة التي تتمثل في تمكّن quot;القاعدةquot; في اليمن. فقد سبق ان اعلنت انها ليست في وارد فتح جبهة جديدة ضد الارهاب في اليمن، ولكن عندما يتحدث برنين عن quot;الابادةquot;، ويؤكد خبير العمليات الخاصة سيباستيان غوركا الذي يدرب ضباطا يمنيين، ان العمليات الاخيرة التي استهدفت مواقع quot;القاعدةquot; في 17 كانون الاول الماضي و24 منه، تمت على يد قوات اميركية وبدعم من الجيش اليمني، فان ذلك يعني، بالتأكيد ان هناك جبهة جديدة ضد الارهابيين في اليمن.


❑ ❑ ❑

طبعا ليس هناك من عاقل لا يجد المبررات الكافية لمطاردة الارهابيين في اليمن، الذين سبق ان هاجموا المدمرة الاميركية quot;يو. اس. اس كولquot; في 12 تشرين الاول من عام 2000، والذين خططوا لمحاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودي الامير محمد بن نايف في آب الماضي، والذين دربوا الارهابي النيجيري عمر عبد المطلب الذي حاول نسف الطائرة الاميركية ليلة الميلاد.
واذا كان والد عمر قد ابلغ السلطات البريطانية قبل ستة اشهر عن اتجاهات مقلقة في التشدد لدى ولده، فلماذا لم تتم مراقبته، ولماذا لم تعلم الاستخبارات الاميركية بالامر، او انها علمت ولم تهتم!
ان اقفال السفارات الاميركية والبريطانية والفرنسية واتخاذ اجراءات احترازية في السفارة الاسبانية في صنعاء، مسألة ضرورية خوفا من عمل كبير تعدّ له القاعدة، ولكنه مجرد علاج عابر وسطحي.
حتى الحديث عن تمويل اميركي وبريطاني لوحدة خاصة لمكافحة الارهاب في اليمن لا يكفي قطعا. لانه اذا تمكنت quot;القاعدةquot; من تحويل اليمن افغانستان ثانية، او صومال ثانية، فانها تكون كمن اشعل النار تحت بحيرة النفط في كل دول الخليج وصولا الى العراق وحتى ايران. وتهديد النفط في هذه المنطقة الحيوية لأمن العالم يشكل تهديدا للدورة الصناعية وللتوازن الدولي ولنظام الحياة وللحضارة الانسانية كلها تقريبا.
خطر quot;القاعدةquot; في اليمن يتجاوز خطرها وخطر quot;طالبانquot; في افغانستان وباكستان، ولهذا فان قواعد مواجهة هذا الخطر، تتطلب الحنكة والدهاء والتنبه واليقظة وعدم الادلاء بكلام تافه مثل كلام المستر برنين عن الابادة!