عمر laquo;المفارقraquo;... عقل أهلكه laquo;التطرفraquo;!

معاوية يس

ماذا كان ينقص هذا الشاب النيجيري الثري لينقلب على النعمة التي تتمرغ فيها أسرته ويشتري بدلاً منها سجون بلاد تموت من البرد حيتانها، كما قال الروائي الراحل الطيب صالح؟ لم يكن ينقصه نفوذ ولا مال ولا أحلام بالمستقبل الذي يريده، والذي كان بمستطاعه أن يترك من خلاله تأثيراً في العالم، لكنه اختار على صغر سنه laquo;23 عاماًraquo; أن يشتهر بين الأنام بـlaquo;شرير قنبلة الخصيةraquo; التي شاء الله أن يتم إحباط تفجيرها على متن رحلة أمستردام - ديترويت في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2009 الذي يحتفل فيه الغرب والعالم المسيحي بيوم مولد المسيح عليه السلام، بدلاً من أن يعرفه الناس بعبقرية في الهندسة الميكانيكية التي درسها في أرقى جامعات لندن (يونفيرستي كوليدج)، أو بالنجاح في عالم المال والأعمال الذي يمكن أن يتأتى له من نفوذ وثراء والده.

ماذا كان ينقص عمر الفاروق عبدالمطلب بعدما أنفق عليه والده الحاج الدكتور عمرو عبدالمطلب، وهو وزير سابق للاقتصاد، ومدير سابق لـlaquo;فيرست بنك أوف نيجيرياraquo;، وعضو مجالس إدارات كبرى الشركات المالية والتجارية في بلاده، ليتلقى دراستيه الإعدادية والثانوية في المدرسة الدولية البريطانية الخاصة في العاصمة التوغولية لومي، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية ألحقه والده بجامعة laquo;يونفيرستي كوليدجraquo;، إذ درس الهندسة الميكانيكية، وهي الجامعة التي وضعتها ملحق التعليم العالي الذي تصدره صحيفة laquo;التايمزraquo; في المرتبة الرابعة عالمية، وتخرج في كلياتها 21 من العلماء الحائزين على جوائز نوبل.

وتعلن هذه الجامعة، التي أنشئت في عام 1826، أنها لا تقبل سوى laquo;الطلبة الممتازينraquo;، وهي الجامعة التي يعمل فيها عدد من الأساتذة أكبر من أي جامعة بريطانية (648 بروفيسوراً). ولا بد أن الحاج عبدالمطلب دفع من حر ماله ما لا يقل عن 15 ألف جنيه إسترليني (نحو 90 ألف ريال سعودي) سنوياً لمدة ثلاث سنوات حتى يتسنى لابنه عمر الفاروق أن يدرس الهندسة الميكانيكية هناك، وفضلاً عن ذلك، فإن الوزير السابق والمصرفي الكبير ربما أنفق ما لا يقل عن 1000 جنيه (5900 ريال) أسبوعياً على إقامة وإعاشة عمر laquo;المفارقraquo; وليس laquo;الفاروقraquo;، الذي سماه كذلك تيمناً بثاني الخلفاء الراشدين؛ إذ اتضح أن laquo;المفارقraquo; أقام في شقة فخمة قرب شارع التبضع الشهير laquo;أكسفورد ستريتraquo;، ولما دهمتها شرطة سكوتلانديارد بعد حادثة laquo;ديترويتraquo; لجمع مزيد من المعلومات، اكتشفت أنها عرضت للبيع في عام 2009 وبيعت بنحو ثلاثة ملايين جنيه استرليني، بكم تتوقعون أن يكون ايجارها الأسبوعي laquo;وليس الشهري كما هي الحال في معظم بلدان العالم؟raquo;.

أضف إلى ذلك كله النثريات التي لابد أن laquo;المفارقraquo; أنفقها على ملذاته في عاصمة لا تعرف قيداً ولا نوماً، إذ يتصل فيها الليل والنهار، كذلك كلفة تذاكر سفر laquo;المفارقraquo; ليعود في العطلات البريطانية الكثيرة إلى أرض أجداده، ليس من شك في أن laquo;المفارقraquo; كان مشروعاً ضخماً بالنسبة لوالده الباحث عن وريث يتخلى له عن امبراطوريته التي بناها بكدحه وعرقه، بل اختار لـlaquo;المفارقraquo; المسار نفسه، إذ أجيز الأب في الجامعات البريطانية ثم عاد ليبرز وسط الصفوة السياسية والوظيفية في بلاده.

بيد أن المشروع بدأ يتصدع بعد كل ذلك الإنفاق الباهظ؛ إذ قطع عمر الفاروق صلته بعائلته، خصوصاً والده، فور تخرجه في الجامعة، وأحيطت الأسرة بأنه سافر إلى مصر، وذات مرة تم رصده في زيارة لدبي، والأهم من ذلك كله أنه ذهب إلى اليمن، بعدما تمكن مجنّدوه من إغوائه واستمالته إلى فكرهم laquo;السحريraquo; الذي يعد بإصلاح العالم كله بالقنابل والصدامات الدموية، وتكفير الناس، حاكمين ومحكومين، ويبدو أن الصلة بين الأب والوريث المنتظر انقطعت تماماً حتى بعد اكتمال laquo;الضلالraquo; في نفس الأخير، إذ إنه انطلق في رحلته غير الموفقة من laquo;لاغوسraquo;، وهذا يعني أنه كان في وطنه، لكن والده لم يكن على تواصل معه، لأنه لا يعرف إلى أين توجه، وحين علم الأب أن ابنه حصل على تأشيرة زيارة للولايات المتحدة، سارع بإبلاغ السفارة الأميركية في بلاده بأنه يشعر بالقلق من الفكر المتطرف الذي يمسك بتلابيب ولده، وأنه يخشى على أمن الولايات المتحدة من جراء ذلك، وكل ذلك يعني أن الحاج عبدالمطلب أدرك في نهاية المطاف أن حلم laquo;الفاروقraquo; لم يعد له وجود، وأن نجله أضحى laquo;مفارقاًraquo; وليس فاروقاً منتظراً.

لكن تلك آلام الحاج عبدالمطلب وحده، فماذا عن الأميركيين الذين أحاطهم الوزير السابق بملاحظاته laquo;الأمنيةraquo; الحصيفة حيال نجله؟ وكيف غضوا الطرف عن laquo;المفارقraquo;، وهم بحسب الدلائل المتواترة كانوا على علم مسبق بصلاته المشبوهة مع أنور العولقي، رجل الدين اليمني المولود في ولاية نيومكسيكو الذي يتهمونه بالتأثير في الميجور نضال حسن مالك الذي قتل زملاءه في قاعدة laquo;فورت هودraquo; العسكرية داخل الأراضي الأميركية؟ بل كيف نامت أعين استخباراتهم ومباحثهم التي لا تغفو وهم الذين أدرجوا اسمه في قائمة laquo;مراقبة المشتبه بصلاتهم مع الإرهابيينraquo;؟ ولماذا لم يروا في تلك القرائن مجتمعة ما يبرر إضافة اسمه إلى قائمة الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة؟

إنها laquo;الخيبةraquo; الأميركية التي أدت إلى وقوع هجمات العام 2001، والخيبة نفسها التي أدت إلى تفجير سفارتي أميركا في شرق أفريقيا عام 1998... وهي الخيبة نفسها ثالثاً التي أدت إلى سفر عمر laquo;المفارقraquo; إلى laquo;ديترويتraquo;، إذ كان سيرتكب أبشع laquo;مجزرةraquo; إرهابية لولا عناية الله بركاب الطائرة الناجية وسكان عاصمة صناعة السيارات، الذين يوجد بينهم ما لا يقل عن 150 ألف مسلم ونحو 200 ألف عربي مسيحي.

لقد اختار عمر laquo;المفارقraquo; مصيره باكراً، إذ سيمضي به قطار العمر داخل السجون الأميركية (التهم التي وجهت إليه تحمل كل منها عقوبة السجن لمدة 20 عاماً). ولن يبقى معه من أموال أبيه وشهادة الهندسة التي يحملها والأوهام التي أدخلها في رأسه المتطرفون في لندن واليمن ومصر سوى تعريفه بأنه laquo;الإرهابي الذي حاول تفجير قنبلة الخصيةraquo;!