بين laquo;جدةraquo; وlaquo;صنعاءraquo; مجرد حكاية!

محمد صادق دياب



تصنف مدينة صنعاء اليمنية ضمن عجائب الدنيا السبعة laquo;الجديدةraquo;، وهي حقا مدينة عجيبة بمبانيها العتيقة، ودروبها المتعرجة، ففي أسواقها كسوق الملح وباب اليمن تصب عليك دلال الوقت نكهة التاريخ، وعطر الأزمنة، فتبدو صنعاء في عيونك ككف مخضبة بالحناء، أما ليل صنعاء فإنه مهرجان جمال آخر، تطفو فيه المدينة على صواري الليل لؤلؤة، تنحني لها هامات الجبال عشقا ووجدا.

لكن هذه المدينة تواجه كما يواجه غيرها من المدن العربية العريقة إشكالية الوعي بالتراث، فحينما اختيرت صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004 سارعت بعض الجهات اليمنية المسؤولة إلى ما كانت تعتقد أنه تجميل للمدينة، فقامت بتجديد الجص في مباني صنعاء القديمة، الأمر الذي اعتبرته laquo;اليونسكوraquo; تشويها لمعالم المدينة التاريخية لأن أعمال التجديد تمت باستخدام آلات حديثة حادة تتباين مع تلك الآلات التي استعملها البناؤون القدامى، وأن هذه الآلات الحديثة من شأنها تشويه الطابع العمراني التراثي للمدينة.

وباعتبار أن كلنا أمام التراث عرب، فإن المنطقة التاريخية من جدة القديمة، باعتبارها الجزء الوحيد الذي سلم من افتراس laquo;التراكتوراتraquo;، يصاب زائرها اليوم بالكثير من الحزن، وهو يرى أبواب الدور الخشبية، التي أبدع الأولون من أبناء المدينة في نقشها وزخرفتها يُستبدل بها في غفلة من الأمانة أبواب حديدية صدئة، ومثلها laquo;رواشنraquo; البيوت التي شكلت على مدى الأزمنة مطلات فرح، وعرائس جمال، غدت نافرة أضلعها كهياكل عظمية مشوهة، ناهيك عن القضم المستمر للمباني التراثية لصالح المباني الإسمنتية ومستثمريها الذين يتربصون لالتهام ما تبقى من تراث المدينة وتاريخها.

وأقف هنا احتراما لرجل أعمال يسعى اليوم إلى تحويل بيت أسرته في المنطقة التاريخية بجدة إلى مركز ثقافي يحتفي بتاريخ المدينة، وتراثها، وصورها، وأعلامها، وفنونها، عبر إنشاء مكتبة إلكترونية، وصالات عرض، وقاعات مطالعة، وعلى عكس رجل الأعمال هذا، هناك العشرات من الأسر التجارية التي تركت دورها التقليدية في قلب المدينة خرائب تنعق فيها الغربان في انتظار سقوطها لتتمكن قانونيا من ضمها إلى الغابة الإسمنتية التي تتربص بالمنطقة التاريخية.

وما زلت أتذكر تلك الليلة التي تحلقت فيها مع مجموعة من الكتّاب والإعلاميين حول أباريق الشاي في ذلك المقهي العتيق بوسط المدينة الذي اتخذه الزميلان أحمد العرفج وهاني نقشبندي laquo;مركازاraquo; موسميا لهما. كان كل ما يحيط بنا يحرض على الإحساس بأن هذه المنطقة التاريخية من المدينة على وشك أن تغدو مجرد حكاية.