اليمن وlaquo;القاعدةraquo;... والسياسة الأميركية

خيرالله خيرالله


تتسارع التطورات في اليمن على نحو دراماتيكي. ما يمكن قوله كله في هذا المجال إن هناك جدية في الجهود الأميركية الهادفة إلى التركيز على laquo;القاعدةraquo; في اليمن. ولكن يبقى السؤال الأساسي: هل laquo;القاعدةraquo; هي المشكلة الوحيدة في اليمن، أم أن laquo;القاعدةraquo; تستفيد من عوامل أخرى كثيرة لها تأثيرها على الوضع اليمني؟ معظم هذه العوامل، بما في ذلك التدخل الإيراني المباشر أو غير المباشر، لا يريد الأميركيون رؤيتها أو الاعتراف بوجودها، بل يفضلون تجاهلها من منطلق أن لا شيء آخر يهمهم غير laquo;القاعدةraquo;.
لا يختلف اثنان على أن laquo;القاعدةraquo; تشكل تهديداً كبيراً للأمن في الولايات المتحدة وأوروبا عموماً، بما في ذلك بريطانيا، وأي مكان من العالم. إنها خطر على اليمن نفسه والدول القريبة منه على رأسها المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون. لكن معالجة المشكلة التي اسمها laquo;القاعدةraquo; لا يمكن أن تكون إلا عبر مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار أن اليمن صار أرضاً خصبة لنمو الحركات المتطرقة لأسباب عدة. في مقدم هذه الأسباب عدم الاكتراث بالوضع اليمني وتجاهل الهوة الاقتصادية القائمة بينه وبين دول مجلس التعاون الخليجي. لم يكن طبيعياً أن تكون هناك مثل هذه الهوة وألا تكون هناك خطة خليجية للتعاطي مع اليمن من زاوية المصلحة الخليجية أوّلاً. صحيح أنه كانت هناك شكوى خليجية من أن المساعدات المالية المباشرة لا تحل المشكلة، علماً بأن ذلك ليس صحيحاً مئة في المئة، لكن الصحيح أيضاً أنه كانت هناك حلول وخيارات أخرى. من بين هذه الحلول والخيارات فتح المجال أمام عودة العمالة اليمنية إلى دول الخليج العربية. كل عامل يمني في الخليج يعيل عائلة بكاملها ويساعد في معالجة مشكلة البطالة في بلد قليل الموارد. ثمة من كان يخشى أن يصدر اليمن إرهابيين بدلاً من عمال يتقنون مهنة ما. لكن تجارب الماضي القريب تظهر أن العامل اليمني كان عموماً شخصاً أميناً وصادقاً إلى حد كبير أينما حل في الخليج. كانت هناك عائلات خليجية كثيرة لا تأمن إلا للسائق اليمني... ولا تفتح أبواب بيوتها سوى لليمنيين...
لابد من الاعتراف بأن بعض الأطراف في اليمن شجعوا نمو الحركات الدينية المتطرفة وأوجدوا بيئة آمنة لها. ولكن ما لابد من الاعتراف به في الوقت ذاته أن هذه الأطراف كانت تتلقى مساعدات من جمعيات ومؤسسات في دول الخليج الغنية. كانت هذه المؤسسات والجمعيات تشجع الإرهاب من حيث تدري أو لا تدري، في حين كانت السلطات اليمنية تدفع في اتجاه الاعتدال، ولكن من دون تحقيق نتائج تذكر بسبب عدم القدرة على إعادة النظر في البرامج التعليمية والعمل على تطويرها أو مواجهة داعمي الإرهاب بشكل حازم. كانت القدرات المالية للحكومة تحول دون إنشاء مدارس جديدة والدفع في اتجاه الإتيان بأساتذة مؤهلين يبعدون الجيل الجديد عن التطرف.
أُصيب الأميركيون بنوع من العمى السياسي. إنهم لا يرون في اليمن سوى خطر laquo;القاعدةraquo;، متجاهلين البيئة التي تساعد في نموها وانتشارها.
في الواقع، لم يعمل الحوثيون منذ بداية حروبهم سوى على إضعاف السلطة المركزية في صنعاء لمصلحة كل من ينادي بالتطرف ويعمل من أجله. بكلام أوضح، إن الأميركيين لا يرون سوى بعين واحدة في اليمن، خصوصاً عندما يتجاهلون الظاهرة الحوثية وخطورتها والمساعدات التي تحصل عليها من أطراف خارجية معروفة جيداً. لا شك أن السلطة مسؤولة إلى حد كبير عن تجاهل مناطق معينة في مقدمها محافظة صعدة. ولا شك أيضاً أن الحوثيين استفادوا إلى حد كبير من هذا التجاهل، حتى لا نقول الحرمان، لمناطق معينة
ومن احتضان بعض القبائل لهم. لكن الأكيد أن ليس في استطاعة أي طرف في اليمن، مهما بلغت قوته، خوض ست حروب مع الجيش اليمني من دون دعم خارجي ملموس.
نعم، ان laquo;القاعدةraquo; خطر كبير على اليمن وعلى كل من هو قريب من اليمن ولديها وجود في غير منطقة يمنية. هذه حقيقة لا نقاش فيها. لكن التركيز على laquo;القاعدةraquo; وحدها ليس كافياً في أي شكل. لابد من مقاربة مختلفة للوضع اليمني. تبدأ هذه المقاربة بالعمل على استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق عزلها عن العامل القبلي الذي تستفيد منه. إضافة إلى ذلك، لا مفر من مساعدة السلطة في معالجة الوضع الجنوبي عن طريق إقناع المواطنين في المحافظات الجنوبية أن الوحدة في مصلحة الجميع وأن الوحدة لا تعني أي تمييز بين مواطن وآخر أكان في محافظة المهرة أو صعدة... أو حضرموت أو عدن... أو الحديدة أو تعز. في حال حصل مس بالوحدة، لا سمح الله، فإن الخطر لا يكمن في العودة إلى التشطير. الخطر يكمن في الصوملة، أي في تفتيت اليمن. إن تاريخ ما كان يُسمى اليمن الجنوبي، الذي تبين أنه ليس دولة قابلة للحياة، خير دليل على ذلك. هل هناك من يمتلك ما يكفي من الشجاعة كي يتعظ من تجارب الماضي القريب؟
هناك من دون أدنى شك حاجة إلى ضرب laquo;القاعدةraquo; في اليمن. هناك إضافة إلى ذلك، ضرورة منع laquo;القاعدةraquo; من أن تكون لها ارتباطات معينة بالسلطة تستفيد منها بشكل أو بآخر. لكن الحاجة تبقى قبل كل شيء إلى مقاربة شاملة للوضع اليمني تلعب دول مجلس التعاون دوراً في الدفع في اتجاها حتى لو بدا أوان هذه المقاربة متأخراً. أن تأتي أي محاولة جدية لمساعدة اليمن متأخرة خير من ألا تأتي أبداً، خصوصاً أن أي تركيز أميركي وبريطاني على laquo;القاعدةraquo; وحدها لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، بل قد يزيد الوضع سوءاً.