أسامة الرنتيسي

ليس تنجيما، بل قراءة سياسية لما يحدث.
أيام قليلة ويعود الرئيس الفلسطيني وفريقه السياسي إلى ماراثون المفاوضات السياسية.
أيام قليلة وتنتهي قصة غلعاد شاليط الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حماس إلى المجهول.
وخلال يومين سيحضر المبعوث الأميركي جورج ميتشل في جولة مكوكية في المنطقة لإطلاق عربة التسوية السياسية من جديد.
وفي الأجواء العربية، يبدو الجهد السعودي بالتنسيق الخليجي، سيقطف ثمار المصالحة العربية - العربية، وتحقيق المصالحة الفلسطينية التي طال انتظارها، فتسربت دماء كثيرة، وليس ماء، تحت الجسور الفلسطينية، ولم يكن سهلاً رتق ذلك الشرخ فيها.
الانقسام الفلسطيني لم يقف عند حدود بعينها، بل امتدت مفاعيله لتطول معظم جوانب الحياة السياسية الفلسطينية، بل جميعها بلا استثناء. حتى وصلت إلى القضايا المصيرية.
لاحظوا أن القضية الأولى لدى حماس وكل الأطراف السياسية المتحالفة معها أو القربية منها، وحتى التيارات السياسية في المنطقة العربية وخارجها، والتي تعتبر نفسها إلى جانب حماس لأسباب أيديولوجية أو تكتيكية، هي قضية الحصار على قطاع غزة، باعتبارها القضية الفلسطينية الأولى.
لا أحد يقول إن قضية الحصار ليست مهمة، بل هي جريمة أخلاقية وضد الإنسانية، ولا يبرر مثل هذا الحصار أن القطاع يخضع لسلطة حركة حماس وهيمنتها.
فالقطاع هو أولاً وآخراً جزء من الأرض الفلسطينية، التي يفترض أن يكون الدفاع عنها واجب الأطراف الفلسطينية كلها دون استثناء، لذلك يخطئ مِن الفلسطينيين مَن ينظر إلى القطاع على أنه مسألة laquo;حمساويةraquo; وليس مسألة فلسطينية، والموقف السلبي للرئيس محمود عباس من قضية الجدار الفولاذي، والكلام laquo;الهبشraquo; الذي تفوه به وزير السياحة الفلسطيني (عفوا الأوقاف) محمود الهباش، laquo;إن مصر لها الحق في بناء جدار حدودي مع قطاع غزةraquo;، دليل على عمى الألوان الذي أصاب الفلسطينيين.
العمى طبعا أصاب الجميع، فقضية القدس وما تتعرض له يومياً من عمليات تهويد لا تتوقف، وهدم البيوت الفلسطينية على رؤوس ساكنيها بذريعة افتقارها لرخص البناء، أو سلبها من أصحابها وطردهم منها، أو مصادرة الأراضي لبناء تجمعات استيطانية يهودية في قلب الأحياء الفلسطينية في المدينة القديمة، أو سحب الهويات الزرقاء من المقدسيين لتغليب الوجود اليهودي فيها على الوجود الفلسطيني، وغير ذلك الكثير من الممارسات التهويدية، تلقى اهتماماً فقط من السلطة الفلسطينية والأطراف المتحالفة معها والقريبة منها.
الأمثلة على عمق الانقسام كثيرة، فكلنا يتذكر الموقف الغبي للسلطة الفلسطينية من تقرير غولدستون، وكيف كان رد حماس صاخباً، وكأن الخطيئة التي ارتكبتها السلطة هي نهاية الكون، ونهاية التاريخ. لكن الموقف الأغبى من حماس كان رفضها البيان الأوروبي حول الشرق الأوسط. فبعد أن رحبت السلطة الفلسطينية بالبيان، على أنه خطوة إلى الأمام، لكونه اعتبر القدس الشرقية أرضاً محتلة، ورفض الاستيطان، وتشييد الجدار، والمطالبة بتفكيك المستوطنات المشيّدة ما بعد مارس (آذار) 2001، وتأكيد حل الصراع بمفاوضات تعود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، رفضته حماس جملة وتفصيلاً، وتجاهلت ما فيه من نقاط إيجابية. حتى وصل الأمر إلى ما يكون فيه حال الفرقاء ككل معبراً عن المثل الشعبي الشائع laquo;نكاية بالنجاسة راح نوسخ الطهارةraquo;.
سياسة أنا ومن بعدي الطوفان، أهلكت كل الأقوام الانقسامية والتقسيمية، لذا لا يجوز اللعب في القضايا الوطنية الكبرى بعقلية انقسامية تدميرية: عليّ وعلى أعدائي.