حسن عبدالله جوهر

أفرزت مناقشات قانون إسقاط فوائد القروض الشخصية على المواطنين في مجلس الأمة على مدى الأسابيع الماضية بعداً جديداً في طبيعة العمل البرلماني، يتمثل في تغليب الرأي الشرعي والاستناد إلى الفتاوى الدينية في دعم وتبرير الموقف السياسي.

ومن الناحية المبدئية، فإن المرجعية الشرعية في العمل السياسي أمر متروك للتيارات والتنظيمات والأفراد كل بحسب منهجيته الفكرية وعقيدته في ممارسة العمل العام، خصوصاً في المجال السياسي، فالتيارات الدينية تدعي أنها تنطلق في خطابها السياسي وبرنامج عملها من الفكر الإسلامي والفقه الشرعي، وكذلك الحال بالنسبة للأفراد والجماعات المستقلة ذات الميول والمتبنيات الإسلامية.

وفي المقابل، فإن التيارات والجماعات والأفراد من ذوي التوجهات الليبرالية عادة ما تحاول فصل الدين عن السياسة وتقاوم البعد الشرعي في الحياة المدنية وتنظيم شؤونها.

ولكن خلال الاجتماعات العديدة بشأن القروض اختلط الحابل بالنابل وتحولت الفتاوى الدينية إلى مجرد أدوات لضرب مواقف النواب ضد بعضهم بعضا، بل أصبح النواب الليبراليون هم الأكثر تحمساً لهذه الفتاوى لأنها تستشكل على فكرة القانون في ما يتعلق بشراء أصل الدين أو إلغاء فوائد القروض أو عدم استيفاء جانب العدالة لتفاوت حجم المديونية من شخص إلى آخر.

وفي المقابل، فإن النواب الإسلاميين لجؤوا إلى فتاوى علماء ومشايخ آخرين داخل الكويت وخارجها ممن لا يرون أي تعارض شرعي مع القانون المقترح، الأمر الذي يؤكد أن التبريرات الشرعية متاحة للجميع وتتناسب جميعها مع الموقف السياسي المراد اتخاذه، إن لم تكن أصلاً مفصلة على ثوب هذا الموقف السياسي، كما أن طبيعة السؤال نفسه وكم المعلومات التي يتفنن أحياناً السياسيون في تقديمها للمفتي، تلعب الدور المهم في توجيه الفتوى ذاتها.

ولهذا، فإن تجربة الفتوى السياسية، كما شهدتها قضية القروض، لم تقدم أي حجية مفصلية لحسم التصويت على قانون شراء القروض أو إسقاط الفوائد، وفي هذا الفشل محظوران خطيران: الأول، يكمن في احتمال اللجوء إلى أسلوب المواجهة عبر الفتاوى مع أي موضوع جديد يطرح في مجلس الأمة لتوفير الغطاء الديني لأي رأي وإن كان متعارضاً أو متقاطعاً أو حتى متناقضاً مع الرأي الآخر، وهذا ما يؤدي بقصد أومن دون قصد إلى ظاهرة حرب الفتاوى السياسية مستقبلاً.

أما المحظور الثاني فيتمثل في إضعاف هيبة المرجعية الشرعية والآراء الفقهية، وبالتالي إضعاف البعد الديني في العمل السياسي مستقبلاً، بل الأخطر من ذلك تحول الدين إلى سلعة للمتاجرة السياسية أو خلق نوع من الاستقطاب والاصطفاف، ولكن هذه المرة تحت العباءة الدينية نفسها، وقد تبين ذلك بالفعل في جلسات القروض عندما تصدى النواب حتى الإسلاميون منهم لبعضهم بعضا، وتبادلوا الاتهامات في كيفية استخلاص مثل هذه الفتاوى المتناقضة، وكأن الاصطفافات الاجتماعية والمذهبية والطبقية العديدة لم تعد تكفينا لتفتيت النسيج الاجتماعي وضرب الوحدة الوطنية.

وتظل قضية القروض، في رأيي، كما الكثير من القضايا الخلافية والحادة في مجلس الأمة الحالي، بل على مستوى الشارع الكويتي، حلقة جديدة في مسلسل استمرار الصراع الطبقي وتحول مفاهيم ومقتضيات المعارضة والموالاة السياسية التي تمر برحلة مخاض عسيرة وآخذة في التبلور، وهذا واضح وضوح الشمس في نتيجة التصويت على القانون يوم الأربعاء الماضي في إطاره العام، وإن كانت الأغلبية الكاسحة التي حققها القانون نتيجة عوامل إضافية أخرى منها المعاناة الشديدة مادياً واجتماعياً لمعظم الأسر الكويتية بسبب أزمة القروض، وفشل المقترحات الحكومية في الخروج من هذا المأزق بشكل منصف للأغلبية الصامتة والمستضعفة، ومع هذا فإن من صوّت عن قناعة وصدق على ضوء الفتاوى الشرعية يبقى له احترامه وأجره على رب العالمين!