عصام نعمان

من يسمع كلام هيلاري كلينتون هذه الأيام يصاب بالهلع . فقد قالت وزيرة خارجية أمريكا لرئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في واشنطن ldquo;نحن نرى تداعيات عالمية للحرب في اليمن وجهود ldquo;القاعدةrdquo; لاستخدام اليمن قاعدةً لشن هجمات إرهابية على مسافات بعيدة خارج المنطقةrdquo; .

هل تمكّنت خلايا ldquo;القاعدةrdquo; في اليمن لدرجة أصبح في وسعها فعلاً شن هجمات على مسافات بعيدة خارج المنطقة؟

إن تلقّي الناشط ldquo;القاعديrdquo; عمر فاروق عبد المطلب النيجيري تدريباً لدى خلايا ldquo;القاعدةrdquo; في اليمن ليختطف طائرة امريكية متجهة من امستردام إلى ديترويت لا يشكّل بحد ذاته برهاناً على أنه أصبح في وسع تلك الخلايا شن أنشطة إرهابية على مستوى العالم . ومع ذلك يكاد المرء يصدق ما قالته كلينتون لولا أن السفارة الأمريكية في صنعاء عادت إلى فتح أبوابها بعد أقل من يومين على إغلاقها . صحيح أنها بررت فتحها مجدداً بإجراء ldquo;عمليات مكافحة الإرهاب التي نفذتها القوات الحكومية اليمنية في الرابع من الشهر الجاري في شمال العاصمة ما ساهم في اتخاذ قرار معاودة النشاطrdquo;، لكن العمليات التي أدت إلى مقتل اثنين من مرافقي أحد كوادر ldquo;القاعدةrdquo; المدعو محمد احمد المحنق فيما تمكّن هو من الفرار لم تكن من الخطورة بحيث تستوجب غلق السفارة .

الحقيقة أن المسؤولين اليمنيين استشاطوا غضباً عندما بلغهم خبر قيام أمريكا بإغلاق سفارتها وحذو فرنسا وبريطانيا وتشيكيا حذوها لأن من شأن ذلك إعطاء الانطباع بأن قوات الأمن اليمنية غير قادرة على حماية البعثات الديبلوماسية . ردة الفعل اليمنية الغاضبة أدت إلى إعادة النظر بقرار الإغلاق، خصوصاً بعد مسارعة وزارة الداخلية اليمنية إلى طمأنة البعثات الأجنبية في صنعاء بأنها شددت إجراءاتها الأمنية وأن الحمايات المتوفرة للسفارات جرى تدريبها على نحو ممتاز وعلى مستوى عال من المهنية لتأمين الحماية المطلوبة .

سبق كل هذه التطورات تصريحات علنية وتسريبات خاصة لكلينتون مفادها أن واشنطن وحلفاءها سيبلغون الحكومة اليمنية في مؤتمر لندن المنوي عقده في 28 الشهر الجاري ان ldquo;هناك توقعات وشروطاً عليها القيام بها من أجل مواصلة الغرب دعمه لصنعاء ( . . .) وأن هناك صراعات عديدة في اليمن تسوء بشكل أكثر مع تورط المزيد من اللاعبينrdquo; .

تبيّن لاحقاً ان واشنطن لم تنتظر وفاء صنعاء بالتوقعات والشروط التي اشارت اليها كلينتون اذ بدأت منذ مدة غير وجيزة في تمويل وتدريب وتسليح قوة يمنية خاصة لمكافحة ldquo;القاعدةrdquo; وقتالها على الجبهة الجديدة التي جرى فتحها في اليمن غير السعيد بدعوى تفادي ldquo;الإنزلاق إلى حرب أفغانية جديدةrdquo; .

تشارك باريس واشنطن قلقها من تحوّل اليمن إلى أفغانستان عربية، ولعلها سبقتها إلى تدريب وإعداد قوات خاصة من الحرس الجمهوري اليمني في إطار ما يسمى مكافحة الإرهاب . سبب القلق الفرنسي أن لليمن موقعاً استراتيجياً في باب المندب على الطرف الجنوبي للبحر الاحمر يقابل القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي التي تنطلق منها الغواصات النووية كما كتائب من القوات الخاصة الفرنسية والأمريكية . وقد سرّبت باريس إلى بعض الصحف الأوروبية والعربية أنها أكثر حماسة من صنعاء لتحويل جزء من مؤتمر لندن ldquo;لمناقشة الاوضاع في اليمن تكريساً لتدويله ووضعه تحت الوصايةrdquo; .

في موازاة الدعم الأمريكي والفرنسي والبريطاني لحكومة اليمن في وجه ldquo;القاعدةrdquo;، هبّت كل من السعودية ومصر إلى دعم اليمن على نحوٍ يوحي بأن عملية التعريب تسابق عملية التدويل في اليمن . فقد تسلّم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صنعاء من مساعد وزير الدفاع السعودي الامير خالد بن سلطان ومساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف رسالةً من الملك عبد الله أشارت إلى أن ldquo;أمن اليمن والسعودية يمثلان منظومة واحدة متكاملة ( . . .) للتعاون المشترك في المجال الأمني ومكافحة الإرهابrdquo; . وكان صالح تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس حسني مبارك حول المواجهة مع الحوثيين دفعته إلى إطلاق تصريح أكد فيه جهوزية القوات المسلحة لمواجهة ldquo;دعاة الإنفصال وأصحاب الأحزمة الناسفة من الإرهابيين في تنظيم القاعدة الذين يقلقون الأمن والسكينةrdquo; .

إلى ذلك، رفض وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي أي مقارنة بين بلاده وأفغانستان، إذ شدد في الدوحة، حيث سلّم أمير قطر رسالة خطية من رئيسه، على ان التنسيق بين صنعاء وواشنطن لا يسمح للولايات المتحدة بشن غارات على أهداف في اليمن بصواريخ ldquo;كروزrdquo;، وأنه ldquo;لا يوجد مثل هذه التفاهمات، ولا يوجد طلب حول هذا الأمرrdquo; .

يبدو أن واشنطن تتفهم دقة الوضع الداخلي للرئيس اليمني . فقد نشرت صحيفة ldquo;واشنطن بوست (5/1/2010) أن الولايات المتحدة تدرك خشية الحكومة اليمنية من ldquo;الثمن السياسي الذي قد تدفعه نتيجة شراكتها مع واشنطن، غير أنها ضعيفة جداً لتكافح ldquo;القاعدةrdquo; وحدهاrdquo; .

الواقع أن مسؤولين ديبلوماسيين غربيين أفادوا، حسب جريدة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; (5/1/2010) ان الولايات المتحدة تواجه مهمة صعبة في اليمن مع مباشرة مساعدته على مكافحة الإرهاب تكمن في التعامل مع الرئيس اليمني الذي ملأ حكومته التي يستشري فيها الفساد بأفراد من عائلته . وأشارت الصحيفة إلى أن صالح يمثّل لإدارة الرئيس أوباما المشكلة نفسها التي تواجهها في أفغانستان وباكستان . فهو منفتح على الدعم الأمريكي، لكن عدم فعاليته والفساد المستشري في مؤسسات حكومته قد يحدّان من حصوله على الدعم . ولفتت إلى ان رغبة الرئيس اليمني في مكافحة ldquo;القاعدةrdquo; هو أمر مشكوك فيه أيضا لأنه لا يعتبرها عدوه الرئيسي . مع العلم أن مكافحتها يعتمد خصوصاً على عائلته . فنجله أحمد هو رئيس الحرس الجمهوري وقائد القوات الخاصة، وأولاد شقيقه الراحل بينهم عمار صالح هو نائب مدير الأمن الوطني، ويحيى هو قائد القوات المركزية ووحدة مكافحة الإرهاب، وطارق يقود الحرس الرئاسي، فيما يتولى أخو الرئيس صالح غير الشقيق قيادة سلاح الجو .

فوق ذلك، نسبت الصحيفة الأمريكية إلى دبلوماسي غربي قوله إن الموارد النفطية اليمنية تنخفض ما يعني أن علي عبد الله صالح لم تعد لديه موارد لبسط سلطته الامر الذي أدى، بدوره، إلى تراجع سلطة الحكومة المركزية وانحسارها إلى العاصمة صنعاء .

ولا يغيب عن ادراك المراقب أن النظام اليمني يعاني من اضطرابات واسعة تعصف بالبلاد كلها . ففي الشمال تنشغل القوات الحكومية بحرب ضارية مع الحوثيين، وفي الجنوب تعاني من ldquo;حراكrdquo; المعارضين في عدن وبقية المحافظات الجنوبية حيث تندلع تظاهرات وأعمال عنف متواصلة .

قد يطمح الرئيس اليمني إلى استثمار الدعم الأمريكي له ضد ldquo;القاعدةrdquo; من أجل تقوية وضعه الداخلي ضد خصومه السياسيين في الشمال والجنوب وتصفية حساباته المعلّقة معهم . لكن يُخشى أن يتحد هؤلاء جميعاً ضده إلى جانب قوى سياسية وقبلية أخرى غير مشاركة حتى الآن في الصراع الداخلي، إنما قد تنحاز في المستقبل المنظور ضد الرئيس اليمني احتجاجاً على تورطه في محالفة أمريكا المكروهة جداً في صفوف الشعب .

إلى أين يسير اليمن؟ سؤال قد لا يحظى اليوم بجواب سريع إنما بتمن أسرع من ذوي الإرادات الطيبة بين العرب، مسؤولين ومواطنين، بألاّ تتحقق نبوءة السيناتور الأمريكي جون ليبرمان، المعروف بتأييده القوي لrdquo;إسرائيلrdquo; وعدائه الأقوى للعرب، الذي زار اليمن في اغسطس /آب الماضي وقال: ldquo;العراق حرب الأمس، وأفغانستان حرب اليوم ( . . .) واليمن حرب الغدrdquo;!