أمجد عرار

لم يعد في القلب العربي مكان لغصّة جديدة، لكن الغصّات تتوالى اقتحاماً لهذا القلب المدمى من الطعنات متعددة المصادر والأسلحة المسمومة . آخر الغصّات مشهد الاشتباكات على حدود غزة مع مصر . كم كان المشهد مؤلماً لكل عربي يتكئ على ما تبقى من عكاّز القومية المتهالكة . لم يفهم بعض المتظاهرين أن احتجاجهم لا ينبغي ولا يجوز له أن يرقى إلى مستوى رشق الجنود المصريين بالحجارة، فهذا المشهد الذي اعتاده العالم في أطول انتفاضة عرفها التاريخ لا يصح بأي حال من الأحوال أن يكون طرفه الآخر بلد عربي مهما كانت الخلافات مع قيادته . كان يجب اقتصار التظاهرة على الاحتجاج السلمي، كاعتصام بالشموع ورفع يافطات بالمطالب المشروعة، أو حتى الإضراب عن الطعام، رغم علمنا أن بعض الغزيين لا يجدونه .

لا عقل عربياً قادر على استيعاب مشهد يسقط فيه الفتى المصري أحمد شعبان ابن العشرين عامًا، صريعاً في احتجاج كان يمكن أن يجري تنظيمه بأسلوب لا يضع الجندي المصري مكان الجندي ldquo;الإسرائيليrdquo; . كان على الداعين للاحتجاج أن يبقوه تحت السيطرة، فهم أعلم الناس بأن طابوراً خامساً للفتنة، وما أسهل أن يتسلل بين المتظاهرين ليطلق رصاصة إلى قلب الفتى الذي ربما يكون أبوه أو أخوه أو عمه قاتل في فلسطين أو الجزائر أو اليمن، أو ربما يكون ذات يوم مشروع شهيد برصاص ldquo;إسرائيلrdquo; التي لم ولن تسقط مصر من حسابات عدوانها، ومن ينسى نذكّره بتصريحات أفيغدور ليبرمان الذي أصبح وزير خارجية ولم يغيّر شيئاً من تصريحاته المسمومة . ألم يهدد ذات يوم بقصف السد العالي وإغراق مصر بالمياه؟

مشهد الأربعاء بالتأكيد شكّل مصدر سعادة كبرى لليبرمان القادم من أوكرانيا، وزبانيته الحاقدين على الأمة العربية وفي مقدمتها مصر ابنة السبعة آلاف عام، والأعظم من مرحلة تاريخية وقيود على دورها وريادتها . وعندما نطالبها بأن تكون إلى جانب غزة، فإننا نفعل ذلك متعشّمين الخير من شقيقة كبرى تاريخها حافل بالكرامة والدفاع عن قضايا الأمة، نفعل ذلك وكلنا يقين وثقة بأن غزة تعتبر نفسها بوابة لأمن مصر وليس لتهديدها أو المساس بسيادتها . من هنا ينبع الأمل بها أن تكون الأم الرؤوم لشعب محاصر ولبلد تحمل شوارعه وميادينه ومدارسه وأبناؤه أسماء لرموز مصرية وعربية من عمر المختار إلى جمال عبدالناصر، مروراً بهواري بومدين وعشرات الأبطال الذين سالت دماؤهم على الأرض الفلسطينية . كم تبعد الفالوجة عن مكان اشتباكات الأربعاء المؤسفة، تلك البلدة التي حوصر فيها عبدالناصر ورفاقه وسجّلوا سفراً مشرقاً للبطولة والشرف؟

مؤسف أن نرى الآن جندياً عربياً مصرياً يسقط على مقربة من مكان معارك الشرف المشتركة، ومحزن أن نرى فلسطينيين يصابون برصاص عربي . وكلنا أمل أن نرى الحصار يرفع عن غزة والمساعدات تصلها من دون إعاقات أو توتر، وأن نرى ممثلي الشعب الفلسطيني مبتهجين بتوقيع اتفاق مصالحة حقيقية شاملة على أرض الكنانة التي لن يدعها تاريخها أن تستقيل من دورها الريادي أبداً .