علي سعد الموسى

يقول لي، وهو المجهول بالاسم المستعار، عبر رسالة إلكترونية: بدأت أشك فيك بشكل جاد وأنت تكتب عن الفساد بهذه اللغة الصريحة الواضحة، فأنا أخشى أن تكون كتاباتك بهذا الأسلوب القاسي مجرد غطاء كي تبعد نفسك عن الشبهة والظنون عملاً بالمثل الدارج: اقرب من الخوف تأمن. نقلت رسالته إليكم بالحرف، ومرة أخرى، كي أضع نفسي في غطاء من الشبهة والظنون، ولربما غفل المرء فينا أن يحاسب نفسه وقد ضمن لها صك البراءة وفي كثير من الحالات دون تمحيص أو دليل.
وفي أحيان كثيرة، قادت الصدفة لوحدها كثيرا من بيننا إلى الخيط الأول للخطيئة، وفي بعض الأحيان الأخرى لعبت الظروف دوراً مهماً كانوا فيه من المحظوظين بالصدفة أن لا تتقاطع حياتهم مع خيوط فساد، وإلا فهم جاهزون ولكنهم ضلوا الطريق وكم في بعض (الضلال)، بلفظه الحميد، من نعمة على البعض. أكثر الخلق غباءً هو ذلك الذي يسعى لاستساغة الحرام ثم يحمل وزره ليتركه حلالاً زلالاً للورثة من بعده لأن القاعدة الشرعية تحله لهم إرثاً وتحرمه عليه رزقاً في حياته. ثم إن الحقيقة بالفطرة الإنسانية تبرهن أننا قد نبكي على آبائنا لمجرد شهر الرحيل الأول وقد نحج لهم بالإنابة في الحجة الأولى بعيد ذلك الرحيل ثم ننساهم إلا من دعوات شاردة. هذا ما يجب أن يعيه كل الذين يضعون رجلهم على درب الإثم والخطيئة للمرة الأولى، أما أولئك الذين انتصفوا الطريق فالبرهان الفطري البشري، مرة أخرى، يثبت أن طرق الخطأ والحرام نادراً ما تكون خطاً للعودة. هم إنما يأخذون هذا ndash; الحرام ndash; إلى القبور ليدفنونا معهم حساباً وهو الحلال لمن بعدهم وبعض الآثام والخطايا من حقوق الناس، من المال العام أو الخاص، قد لا تغسله دعوة. تأملوا الحقيقة الأخيرة من أن مسالك المال الحرام لا تأتي في الغالب متاحة وسالكة إلا في ثلث العمر الأخير وفي أفضل الأحوال في نصفه التالي بعد أن يبدأ ndash; الشيب ndash; على المفرقين وبعد أن يصبح الثراء والترف والمقدرة مجرد إضافة لا قيمة. الفساد لا يحتاج إلى موعظة فحسب، بل إلى عقل يستشرف اليوم الأخير من قيمة كفن.