سعد بن طفلة

لعل كلمة تفتيش وما يرادفها في كل اللغات هي الكلمة الأكثر تداولا في نشرات الأخبار هذه الأيام. تكاثرت هذه الكلمة إخباريا بعد نجاح النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب في الصعود إلى طائرة أميركية وهو يحمل متفجرات لم تنفجر - ولله الحمد - لكن صعوده الطائرة ألهب حمى التفتيش ومراجعة نظم التفتيش الأميركية والأوروبية.

كلمة التفتيش، كلمة بسيطة في معانيها وفي ترجمتها القاموسية، فقد أوردها مختار الصحاح على أنها معروفة، ولم تفصل بها باقي القواميس. الكلمة الإنجليزية (FETCH) تبدو مقاربة في لفظها ومعناها - وربما أصلها - لكلمة laquo;فَتَشَraquo; العربية، وإن كانت أعمق في معناها، ففيها مدلول بذل جهد أكبر، حيث إنها تعني الذهاب والتفتيش عن شيء ما وإحضاره.

في عربيتنا الحديثة، ارتبطت كلمة التفتيش بنقاط التفتيش، وهي منتشرة في مدننا العربية بكثرة، فتفتيش في الشوارع وعلى مداخل الفنادق والمطاعم والوزارات والمؤسسات الحكومية، ناهيك عن المباني الأمنية والعسكرية التي تزداد فيها درجة التفتيش عن غيرها من الأماكن. نقاط تفتيش لا حصر لها، بعضها موجود لسبب لا يعرفه الذي يمر من خلالها. سألت صديقا مرة عن سبب كثرة نقاط التفتيش العسكرية في بلد عربي مع أن هذه النقاط لا توقف أحدا، فأجاب بخبرته العسكرية أنها موجودة فقط من أجل إثبات الوجود وإيصال رسالة مفادها laquo;نحن هناraquo;.

كان اليوم الذي يحضر فيه المفتّش التربوي بالمدارس حين كنا صغارا يوما للاستنفار: احلق شعرك، اغسل قميصك، قلّم أظافرك.

يسمي العراقيون نقاط التفتيش laquo;سيطرةraquo;، وللكلمة أبعاد أخرى غير التفتيش. تشديد التفتيش في المطارات الأميركية على مسافرين من جنسيات محددة هو قمة laquo;المهزلة الأمنيةraquo;، فهل استثنى الإرهاب جنسية في العالم من شروره؟ وهل استثنى الإرهاب بأشكاله جنسية من جميع الملل والنحل لم يعمل على تجنيدها؟

التفتيش الحقيقي يجب أن يعمل بالمعنى الإنجليزي للكلمة: اذهب وأحضر، لا تنتظر الإرهاب للمجيء للمطارات فقط، فقد وصل القطارات والمساجد والكنائس والمدارس والمجمعات التجارية والسكنية بل وحتى ملاعب كرة الطائرة بجمهورها الغفير مثلما جرى في باكستان قبل أيام. الإرهاب التفجيري الفردي قد لا يتوقف يوما، ولكن الحتمي أن التفتيش البوليسي التقليدي المتخلف لن يقضي عليه أبدا. التفتيش التقليدي عن الإرهاب هو أسهل المعارك بالنسبة للإرهابيين، لكن التفتيش الذي يطارد العقول الموتورة والمناهج المتخلفة والخطب الدينية التحريضية بأنواعها والإعلام الغوغائي والحكومات الخائفة والمترددة التي تزايد على خطاب التحريض والتخلف، هو التفتيش الذكي الذي يمتلك استراتيجية laquo;اذهب وأحضرraquo;، وليس استراتيجية laquo;انتظر وفتشraquo;، أو احلق شعرك وقلّم أظافرك، فغدا سيأتي المفتش!

القضاء على الإرهاب، هو في القضاء على ثقافة إنتاجه ومخرجاته، والعالم العربي والإسلامي هو أكثر من اكتوى من الإرهاب وأفعاله الدموية البشعة، لكن الحرب الثقافية في مواجهة الإرهاب لا تزال تتخبط، ولا أدل على ذلك من إجراءات التفتيش الأميركية الأخيرة، واستمرار خطابنا الرسمي العربي والإسلامي في مجاراة خطاب الإرهاب، أو الخوف من مواجهته وإعلان الحرب عليه.

الحكومات العربية والإسلامية في حالة حرب غير معلنة وبلا هوادة في مواجهة الإرهاب الدموي، لكنها لا تزال صامتة خائفة في إعلان الحرب الثقافية الكبرى على ثقافة الإرهاب وتجفيف منابعه.

في العراق يقال للشيء البسيط والتافه laquo;زلاطةraquo; تشبيها بالسلطة التي تعتبر من أخف الوجبات وأسهلها تحضيرا.

التفتيش كلمة سهلة شرح المعنى في القواميس العربية، ومن المفارقة أن كلمة laquo;الفتوشraquo; من مستخرجات كلمة laquo;فتشraquo;، والفتوش نوع من أنواع السلطة التي تشتهر بها بلاد الشام. تشديد إجراءات التفتيش في المطارات الأميركية laquo;فتّوشraquo;، لكن بالمعنى بالعراقي.