حسين شبكشي

يحاول المجتمع الإسرائيلي الظهور دوما بأنه كتلة متماسكة أمام العالم وذلك لتزكية الفكرة الصهيونية البغيضة التي بُنيت عليها فكرة الوطن الموعود للشعب المحروم. وأن laquo;اليهودraquo; هم شعب الله المختار الذي تربطه وحدة الدين والعرق وأن جمع شتاته هو مطلب سماوي عظيم، ولكن الداخل الإسرائيلي اليوم يظهر واقعا أليما وقبيحا وبغيضا ليس بحق ممارسات اليهود ضد الفلسطينيين والعرب ولكن بحق اليهود الشرقيين المعروفين باسم laquo;السفارديمraquo; أو كما يطلق عليهم laquo;المزارحيraquo; وهم اليهود القادمون من بلاد العرب والمسلمين مثل مصر واليمن والمغرب وتونس وسورية والسودان ولبنان والعراق وليبيا والجزائر وتركيا وإيران.

عالميا اليهود الذين جاءوا من دول العرب والمسلمين يُعتبرون أقلية مقارنة باليهود الغربيين laquo;الأشكنازraquo; الذين يشكلون 9% من تعداد اليهود الذين جاءوا من ألمانيا وروسيا والمجر وبولندا وأوكرانيا والتشيك وأوروبا الشرقية. وlaquo;أشكنازيraquo; هي كلمة مشتقة من كلمة عبرية قديمة تعني laquo;الألمانيraquo; ولكن laquo;السفارديمraquo; في الداخل الإسرائيلي اليوم يشكلون 40% من التعداد وكانوا في يوم من الأيام 50% وأكثر، ولكن مع تكثيف حملات التهجير من يهود أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي الأسبق، وبعد سقوط الشيوعية وتسهيل laquo;شروط القبولraquo; بالنسبة إلى الأعراق اليهودية وعدم الإصرار على أن يكون المهاجر من أبوين يهوديين، بات العدد القادم من هذه الدول أكبر بكثير من يهود دول المشرق العربي والإسلامي.

وأمثلة المعاملات البشعة والتفرقة العنصرية الصارخة داخل المجتمع الإسرائيلي كبيرة، ومن أشهر هذه القصص ما حدث في عام 2007 عندما أطلق الفنان الإسرائيلي المزراحي ليران طال أسطوانة غنائية، والأغنية بدأت في الانتشار البطيء، ولكن لم يتم بثها في أهم وأكبر محطتين إذاعيتين بإسرائيل: محطتا laquo;روشت جملraquo; وlaquo;جلجلتزraquo;، وهما تملكان وتسيطران على ما يقارب 60% من حجم سوق الإذاعات في إسرائيل، ورفضت المحطتان بث الأغنية تماما. فما كان من laquo;طالraquo; إلا تغيير صورته على غلاف الأسطوانة وغير اسم الأغنية وغير اسمه إلى اسم أكثر شيوعا في الأوساط اليهودية الغربية ليصبح laquo;شارون كينسانraquo; وادّعى أن ملحن الأغنية هو مغنٍّ laquo;أشكنازيraquo; معروف باسم laquo;إريك برمانraquo;.

وبُثت الأغنية... وتناولت الصحف هذه القصة وغطتها بقوة لتكشف الهوة والكراهية الموجودة بين عنصري المجتمع الإسرائيلي، وحتى الكتب المدرسية كانت تتناول قصة يمني يهودي مهاجر بالكثير من الاشمئزاز والسخرية والتحقير وظلت القصة موجودة داخل الكتب المدرسية حتى وقت قريب.

وسبب كراهية اليهود laquo;الأشكنازraquo; لليهود laquo;السفارديمraquo; هو أن اليهود الشرقيين يتحدثون العربية ويأكلون مأكولات عربية ويستمعون إلى الموسيقى العربية وأشكالهم أقرب إلى العرب والشرقيين وبالتالي هم laquo;يشبهون العدوraquo;، وبالتالي لا يمكن الثقة بهم ولا الارتياح معهم، وإلى اليوم هناك تفرقة هائلة ضدهم في التوظيف والمناصب الكبرى مع استثناءات محدودة جدا.

اليهود الشرقيون الذين كانوا موجودين بنجاح في أراضي العرب كثر، وهناك أسماء معروفة مثل laquo;ساعاتيraquo; اليهودي العراقي الذي هاجر إلى بريطانيا وأسس أهم شركة دعاية وإعلان laquo;ساتشي أند ساتشيraquo;، وكذلك اليهودي العراقي laquo;قدوريraquo; الذي هاجر إلى هونغ كونغ وتملك فندقها الأشهر هناك laquo;بننسولاraquo;، واليهودي الحلبي laquo;صفراraquo; الذي هاجر ليؤسس سلسلة مصارف عالمية، وكذلك laquo;يهود مصرraquo; مثل شيكوريل وهانو الذين أسسوا متاجر مهمة، وكذلك كان توغو مزراحي أهم منتج سينمائي في وقته وداود حسني أحد أهم الملحنين في زمانه، وغيرهم.

إسرائيل بلد أُسّس على العنصرية ويمارسها اليوم بامتياز بحق مواطنيه بشكل يدعو إلى الدهشة. والشهادة على ذلك جاءت بقوة في كتاب ممتع اسمه laquo;أنتم تشبهون العدوraquo; بقلم الكاتبة والصحافية راشيل شابي، وهي يهودية من أصول عراقية، تناول القضية بشكل دقيق وفي غاية القوة. إسرائيل مجتمع مريض بامتياز!