إيران تتغيروبعض quot; الجيشquot;ينضم إلى الثورة

لندن ــ رائد الخمار

في الاول من فبراير 1979 احتشد خمسة ملايين ايراني في العاصمة للترحيب بالامام اية الله الخميني الذي عاد الى طهران بعد غياب سنوات (من 1964 الى 1979)، وبعدما امضى شهوراً في المنفى الباريسي نسق خلالها تحول ايران من امبراطورية في ظل الشاه محمد رضا بهلوي الى جمهورية اسلامية، وكان أولا ابعد الى العراق الذي وصله عبر تركيا. ومع عودة الامام بدأ الشاه رحلة العذاب في ايجاد ملجأ يختبئ فيه من الملاحقة والمطالبة وعملاء سابقين كانوا يحصون تحركاته.

نهاية الزلزال
وفق عشرات البرقيات التي ارسلها مجموعة من الدبلوماسيين البريطانيين، كانت عودة الامام نهاية الزلزال الكبير الذي هز عرش الطاووس، وبداية عصر جديد في الخليج ومنطقة الشرق الاوسط لا تزال اصداؤه تُسمع حتى اليوم.
وفي فترة الـ11 يوماً الاولى تم تحييد الجيش وlaquo;فرشت الورود والسموم امام رجل الدين القادم من الخارج وبدأت تصفيات رموز الشاه تحت نظر مساعديه والدول التي دعمت عرشه واستفادت من الخيرات الايرانيةraquo; كما ورد في احدى البرقيات التي رفعتها السفارة البريطانية الى الخارجية.

إلى المقبرة أولا
ومع انه لم يُسمح سوى لحوالي 1500 رجل دين وقيادي وسياسي ايراني في استقباله داخل مطار طهران الدولي الذي حرسته قوة مؤلفة من 50 الف شرطي، نزعوا شارات الشاه عن لباسهم، تساندهم قوة خلفية من الجيش الذي وعد بالحياد.
ولم يتوقف الخميني في العاصمة بل سار موكبه مسافة 12 ميلاً الى مقبرة الشهداء، حيث القى خطبة في تجمع ضم 250 الف شخص بدأها بهجوم على حكومة بختيار قائلاً laquo;ان هؤلاء يحاولون اعادة الشاه الى الحكم او نظام موال آخر... لكن منذ الآن ساكون انا من يعيّن الحكومة الايرانية لتحكم باسم الاسلامraquo;.

أحداث تتغير بسرعة
وبين الوثائق التي عثرت عليها laquo;القبسraquo;، بين مجموعة من الاف الوثائق عن تغيير نظام الحكم في ايران، تقرير كتبه السفير البريطاني الجديد جان غراهام من طهران بتاريخ 14 فبراير 1979 الى زميله السابق وسلفه انتوني بارسنز في الخارجية البريطانية ضمنها انطباعاته الاولى عن عهد الخميني. بدأه بالقول laquo;ان الاحداث تتغير بسرعة بين ساعة واخرى وما هو خبر او معلومة اليوم يصبح قديماً بعد ساعاتraquo;.
قال السفير البريطاني الجديد laquo;وصلت الى طهران قبل قليل من عودة الخميني، كانت العاصمة والمدن الايرانية هادئة نسبياً على رغم ان المحال لا تزال مقفلة وطوابير للسيارات امام محطات الوقود ما يؤشر الى استمرار ازمة الطاقةraquo;.
واشار الى ان توقعات سابقة بوقوع احداث مؤلمة واضطرابات بعد عودة الخميني كانت خاطئة حتى ان قيادة الشرطة (الموالية للخميني ورجال الدين) رفعت حظر التجول ليلاً.

حادث كبير
لكن السفير تحدث عن حادث كبير حدث ليل السبت التاسع من فبراير عندما كانت مجموعة من الجنود وافراد القوة الجوية تشاهد فيلماً عرضه التلفزيون عن الخميني ونشاطاته وبدأ افراد سلاح الجو ينادون مهللين لكن الجنود عارضوهم ووقعت معركة بين الطرفين استمرت ثلاثة ايام في منطقة دوشان تيبي القريبة من طهران.
ونقل السفير عن الصحف الايرانية قولها ان افراد القوة الجوية وزعوا السلاح من المخازن على الناس للاشتراك معهم في الدفاع عن النظام الجديد، خصوصاً ان الحرس الامبراطوري دخل المعركة لكن للاصلاح بين الطرفين ووقف القتال الذي استغلته جماعات من laquo;مجاهدي خلقraquo; الفوضوية.
وقال السفير ان قوة مدرعة تدخلت للفصل بين المتقاتلين لقيت نصيبها من الخسائر عندما هاجمتها مجموعة من laquo;فدائيي خلقraquo; الارهابية بقنابل المولوتوف واحرقت عددا منها.
وسقط في الحادث احد البريطانيين ويدعى اليكس موريس، ولم يذكر السفير ماذا كان البريطاني يعمل في تلك المنطقة!

معنويات منهارة
ولم تتوقف الاشتباكات في اليوم التالي laquo;حتى ان وحدات الجيش بدأت تدافع عن نفسها من الهجمات بعدما كانت تهاجم مراكز القناصة واصبح النصف الجنوبي من المدينة في يد laquo;المعارضةraquo;، بعدما بدأت فصائل معارضة مسلحة هجمات على مراكز الشرطة ومخازن الاسلحة وحتى ثكنة الجيش. وتبين ان معنويات قوات الامن والجيش انهارت في تلك المدينة التي انتقلت اخبارها الى غيرها وبدأت عناصر الجيش تستعد للفرار من ثكناتها، خارج طهران وداخلها، والانضمام الى المعارضة عارضة خدماتها.
واستسلمت مجموعة حراس السفارة الى شلة من شبان الحي خفيفي التسليح الذين بدأوا يعاملون الضابط الشاب المسؤول وجنوده باخوة مقدمين لهم الزهور والمأكولات والسكاكر، كما عانقوا بعضهم مهللين لانتصار الثورة. واتصلت السفارة بعد الحادث مباشرة بمنظمة تابعة لرجال الدين تدعى laquo;جمعية آيات اللهraquo;، وهي احدى الهيئات التي كانت ناشطة في الثورة. وقال الناطق باسم الجمعية laquo;ان آية الله سيزور السفارة بعد فترة قليلةraquo;.
وذكر السفير انه laquo;عند الخامسة وصل آية الله لاهوتي (...) مع حارسه الشخصي الذي يتكلم الانكليزيةraquo; وبعد السلام وتناول الشاي المنقى (...) كتب الحارس تعميما وقعه آية الله وطلب تصويره وتوزيعه على العاملين في السفارة من ديبلوماسيين وغيرهم، طالبا ان يستعمل عند الحواجز او عرضه على اي طرف يطلب التأكد من الهوية.
وتحدث السفير عن كيفية نسف مخزن للذخيرة رفض حراسه تسليمه لمسلحين حاولوا السيطرة عليه، ثم كيف بدأت سيارات مدنية يقودها ويركبها مسلحون تجوب الشوارع اعتبارا من الاسبوع الاول لعودة الخميني.
واعطى السفير موجزا عن احتلال اهم فندقين في العاصمة، وكيف احتجز الصحافيون فيهما قبل احتلالهما وتحطيم آلالاف من زجاجات الويسكي والمشروبات الروحية واطلاق النار على العاملين في البار واقتيادهم الى الخارج.

بيان الهدوء
وبعد خمسة ايام من الفوضى، وإثر اذاعة بيان من الخميني يأمر بالهدوء عادت المدينة الى حياتها الطبيعية بعدما اصبحت بيد المعارضة التي يشرف عليها رجال الدين ما عدا الاحياء التقليدية للجبهة الوطنية. ولوحظ ان حواجز القوات المسلحة والشرطة اختفت ليحل محلها رجال الميليشيات الذين يرفعون صور الخميني.
وذكرت الصحف ان آيات الله امروا اتباعهم بجمع الاسلحة التي سرقت من ثكنات الجيش، لكن قسماً كبيراً منها اختفى وخبأته مجموعات مختلفة. ما سيحتم على الحكومة الاسلامية الجديدة محاولة اكتشاف مخازن الاسلحة وضبطها قبل ان تتحول الى ايدي اعداء النظام الجديد.
وكما سقطت شوارع طهران استولت نقابات الموظفين على وزارة الخارجية والبنك المركزي وشركة النفط الوطنية و laquo;لم نعرف بعد مع من سنتعامل في الخارجية وما اذا كان نظام الخميني سيأمرنا بالتعاون معهاraquo;.

حكومة بازركان
عن تشكيل الحكومة برئاسة مهدي بازركان قال السفير في برقية بتاريخ 16 فبراير laquo;أصدر الخميني تعليماته بوضع أسس جديدة للسلطة التشريعية والتنفيذية، فأمر بتشكيل مجلس الشورى الثوري برئاسة آية الله طالقاني وعضوية مرتضى مطهري ومحمد بهشتي وهاشمي رفسنجاني ومهدي العراقي ومحمد مفتح، وكلهم من رجال الدين وتلاميذ الخميني المقربين منه، إضافة إلى أبو الحسن بني صدر وصادق قطب زاده، وكلاهما كان قريبا من الخميني، فأبو الحسن بني صدر كان معه عندما كان منفيا في فرنسا. وفي 15 فبراير 1979 أصدر الخميني قرارا بتشكيل laquo;حكومة موقتةraquo;، مهمتها تنفيذ قرارات laquo;مجلس شورى الثورةraquo;، وبدأ البحث عن أسماء أعضاء الحكومة شرط ألا يكونوا من علماء الدين.
وطرح حزب نهضة حرية إيران أو laquo;نهضت ازادي إيرانraquo; نفسه لتشكيل الحكومة في ظل الدعم الذي يحظى به من آية الله طالقاني (أحد أهم منظري الثورة الإيرانية وصديق الخميني)، خصوصا أن زعيم حزب حرية إيران مهدي بازركان كان معارضا للشاه، وسجن إلى جانب آية الله مطهري وآية الله بهشتي وآيه الله منتظري، كما أن من قياداته إبراهيم يزدي الذي كان قريبا من الخميني ومن مستشاريه في باريس.
ووقع الاختيار على بازركان ليرأس أول حكومة في عهد الثورة، وكان بازركان وإبراهيم يزدي بلباس مدني وربطة عنق وثقافة منفتحة على الغرب. ويُقال ان بازركان كان مسلما ورعا، لكنه لا يؤمن بالحكومة الدينية، وإن الخميني عيّنه بشكل موقت للإشراف على الدستور وإجراء الاستفتاء، وإنه كان منفذا للقرارات فيما مجلس شورى الثورة هو الذي يصنع السياسات.
جلس بازركان على الأرض في منزل الخميني في قم ومعه وزراء حكومته الجديدة يقدمهم إلى الخميني. لم تكن هناك طاولة أو أوراق أو جلسة عمل، فقط حصيرة على الأرض جلس عليها الخميني مع الوزراء الجدد وقد خلعوا أحذيتهم. وكان هذا مؤشرا لما سوف يأتي، فالحكومة بات عليها أن تذهب إلى قم بدلا من أن تأتي قم إلى طهران.

الحلقة المقبلة
العمل في ظل الخميني